للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُهُ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ؛ حَتَّى إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّاسُ عُلَمَاءَ يَسْتَفْتُونَهُمُ، اسْتَفْتَوْا أُنَاسًا جُهَّالًا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" (١).

إِذَنْ: حِفْظ الشريعة يَكون بالعُلَماء، برِجالها فانْوِ بذلك - أي: بطلَبك العِلْم - حِفْظ الشريعة، ونِعْمَ الرجُلُ أنتَ؛ إذا كنْت خِزانة لشَريعة الله عَزَّ وَجَلَّ! .

الثالِثة: أن يَنوِيَ بهذا - أي: بطلَبه العِلْم - حِماية الشَّريعة والذَّوْد عنها؛ لأن الشَّريعة لها أَعداءٌ، أعداءٌ مُعلِنون بعَداوتهم، وأَعداءٌ {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: ١٠٨]، فلها أَعداءٌ؛ فأنت انْوِ بطلَبك العِلْم حِماية الشَّريعة، والدِّفاع عنها؛ وإذا كان هذا مَقصودَ طالِب العِلْم، فإنه سوف يَختار الجِهَة التي يَكون غَزو أعداء المُسلِمين من ناحِيَتها، وعلى هذا يَجِبُ أن يَكونَ على عِلْمٍ بما يَجرِي في الساحة من الأفكار الرَّديئة أو العقائِد الفاسِدة.

ونَضرِب مثَلًا بوَقْت من الأَوْقات مَرَّ على الناس وهُمْ لا يَعرِفون مَذاهِبَ أهل التَّعْطيل، ولا يَعرِفون الأفكار المُنحرِفة الهَدَّامة؛ لأنَّهم لم يَخرُجوا من بلادهم، ولم يَفِد إليهم أحَدٌ من غيرهم، فهم مُلتَفُّون على عُلَمائهم، ولا يَعرِفون إلَّا الحَقَّ، هؤلاء لا يُهِمُّهم أن يَشتَغِلوا بأمور أخرى من وَسائِل العِلْم، أو الدِّفاع عن الشَّريعة؛ لأنَّهم آمِنون، لكن إذا جاء العَدوُّ فلا بُدَّ أن نَستَعِدَّ له، وأن يَكون استِعْدادنا بسِلاح مُناسِب لسِلاحه، فمِن المَعلوم مثَلًا أنَّ مَن هَاجَمَك بالمَدافِع والصواريخ، لا يَصِحُّ ولا يَستَقيم


(١) أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، رقم (١٠٠)، ومسلم: كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، رقم (٢٦٧٣)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>