للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَوْقعه، وفي شِدَّته، فإنَّه عَذاب لم يُبقِ أحدًا منهم، وعلى هذا فالاستِفْهام له عِدَّة مَعانٍ يُعيِّنها السِّياق.

فإن قال قائل: ما الفرق بين الأخذ في قوله: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} وقوله: {فَأَخَذْتُهُمْ}؟

فالجواب: الأَخْذُ يَأتِي بقَرينة، مِثل قوله: {فَأَخَذْتُهُمْ} أي أَهْلَكْتهم، أمَّا أَخْذهُم هُم للأَنبياء فقد يَكون يَأخُذونهم ليَحبِسوهم، كقوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال: ٣٠]، يُثبِتوك يَعنِي: يَحبِسونك، فتكون ثابِتًا في مَكان لا تَتَعدَّاه، أو يَقتُلوك، أو يُخرِجوك من البلَد؛ لقوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: ١١٢]، ، ولقوله: {فَأَخَذْتُهُمْ} فيَكون إهلاكُهم في مُقابِل ما يُريدونه من إهلاك الرُّسُل، الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمَّا همُّوا أن يَقتُلوه أَشار عليهم الشيخُ النَّجديُّ قال: لا يُمكِن أن تَقتُلوا قُرَشيًّا، إلَّا أن يكون عشَرة شُبَّان أقوياءَ وأَعطَوْا كلَّ واحد منهم سيفًا، فإذا خرَج محُمَّد فلْيَقتُلوه ضربة رجُل واحِد، حتى يَتفَرَّق دمُه في القبائِل فلا تَستَطيع قُرَيْش أن تُطالِب به، فيَخضَعوا لأَخْذ الدِّيَة (١). إِذَنْ هَمُّوا بقَتْله، واليَهود همُّوا بقَتْله في قِصَّة بني النضير (٢).

وقوله: {عِقَابِ} قد يُشكِل على الناظِر لأَوَّل وَهْلة كيف كان مجَرورًا مع أنَّه مُبتَدَأ أو خبر مُبتَدَأ، فحمال: إنه ليس بمَجرور، وأن الأصل عِقابي، فحُذِفَت الياء تَخفيفًا والكَسْرة قبلها دَليلٌ عليها.

قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أي: هو واقِع مَوْقِعه] وهذا بِناءً على أنَّ الاستِفهام تَقريريٌّ،


(١) انظر: سيرة ابن هشام (١/ ٤٨٢).
(٢) انظر: سيرة ابن هشام (٢/ ١٩٠).

<<  <   >  >>