سبَق في قوله:{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} فجادَلوا بالباطِل؛ أي: جعَلوا الباطل سِلاحًا لهم {لِيُدْحِضُوا}[يُزيلوا] به الحقَّ، فكانوا يَأتون بالباطِل يَحتَجُّون به على الْحَقِّ لإِدْحاضه.
واعلَمْ أن الذين يَأتون بالباطِل ليَدحَضوا به الحقَّ لا يَأتون بالباطِل على وَجْهه، بل يُزخْرِفون القول له كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}[الأنعام: ١١٢]، ولهذا تَجِد الذين يُجادِلون بالباطِل يَأتون بعِبارات إذا رآها الإنسان ظنَّها حقّا، كأنها السراب للظَّمْآن {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ}[النور: ٣٩].
فهم يَأتون بزُخْرف القول، الزُّخْرف يَعنِي: القول المُنمَّق المُحسَّن المُزيَّن لأَجْل إِدْحاض الحقِّ.
قال الله تعالى:{فَأَخَذْتُهُمْ} الفاء هنا للسَّبَبية، أي: فبسبَب ما قاموا به من المُجادَلة بالباطِل والتكَذيب أَخَذْتُهم، والضمير الفاعِل يَعود على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والمَفعول يَعود على هَؤُلاءِ المُكذِّبين.
فقوله:{فَأَخَذْتُهُمْ} قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [بالعِقاب]{فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} فسَّرَ المفَسِّر الأَخْذ هنا بالعِقاب لقوله: {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} أي: مُعاقَبَتي لهم، وكيف هنا للتَّعجُّب وللتَّقرير وللتَّعْظيم أيضًا، أي: فكان عِقابي عَظيمًا في كيفيَّتِه، وفي وقوعه
(١) عزاه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٤/ ٢٨) للخطابي.