للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإثبات الأسباب حَقٌّ، وهو مُقتَضى حِكْمة الله عَزَّ وَجَلَّ أن كل شيء له سبَب، فالإنسان لا يُولَد له مثَلًا إلَّا بسبَب إذا تَزوَّج وجامَعَ وأَنزَل وُلد له، فالله عَزَّ وَجَلَّ قَرَن المُسبَّبات بأَسْبابها، وهو مُقتَضى الحِكْمة.

والناس في الأسباب ثلاثة أقسام: طرَفان ووسَط.

فقِسْم أَنكَر الأسباب، وقال لا تَأثيرَ لها، وما يَحصُل بالسبَب فإنه حاصِل عِنده لا به، والسَّبَب أَمَارة على حُلول وقت الحادِث، وعَلامة فقَطْ على حُصول الحادِث، أو على حُلول وقته، فانكِسار الزُّجاجة بالحَجْر إذا أُرسِل عليها ليس هو الذي كسَرَها، لكن الله قدَّر انكِسارها عند وجود الصَّدْمة فقَطْ وليس للحجَر أيُّ تَأثير! فالأشياء تَحصُل عند الأسباب بغَيْر الأسباب، لكن السبَب جعَله الله أَمارة وعَلامة على حُلول وقت الحادِث؛ ولهذا يَقولون: لو أنَّ أحَدًا أَثبَت تأثير الأسباب لكان مُشرِكًا؛ لأنه أَثبَت مع الله خالِقًا فاعِلًا.

والقِسْم الثاني، الطرَف الثاني يَقول: بل الأَسْباب ثابِت تَأْثيرها، وهي مُؤثِّرة بنَفْسها؛ لأنها هي القُوَّة الفاعِلة، ولا عَلاقةَ لله بها، وهذا يُشبِه مَذهَب القدَرية وهو قول الفَلاسِفة، يَقولون: هكذا المَسأَلة طبائِعُ، من طَبيعة هذا الشيءِ أن يَحدُث به هذا الشيءُ، وهذا لا شَكَّ أنه خطَأ، وأنه نَوْع من الشِّرْك.

والقِسْم الثالِث: وسَط يَقول: إن للأَسباب تَأثيرًا، ولكن لا بنَفْسها، بل بما أَودَع الله فيها من القُوَّة المُؤثِّرة، وهذا الذي دَلَّ عليه المَنقول والمَعقول وهو الحَقُّ.

والرَّدُّ على الطبائِعِيِّين الذين يَقولون: إن الأسباب مُؤثِّرة بطَبيعتها أن الله تعالى قال لنار إبراهيمَ، وهي محُرِقة، قال لها: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: ٦٩]، فكانت بَرْدًا وسَلامًا، فخرَجت عن طبيعتها.

<<  <   >  >>