للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا ما كانت صِفة مَعنَويَّة فالحُدوث ليس لها، ولكن لمُتعَلَّقها، فسَمْعُ الله عَزَّ وَجَلَّ لا نَقول: إنه حادِث، لأنه لم يَزَل، لكن الذي يَحدُث هو المَسموع، الكلام يَحدُث لأنه نَوْع من الفِعْل.

وعلى هذا فنَقول: في الآية إثبات الكلام لله تعالى، ومَذهَب أهل السُّنَّة والجماعة أن الله يَتكَلَّم بحَرْف مُرتَّب وصوت مَسموع.

فإذا قال قائِل: لو قلت: إنه بحَرْف مُرتَّب لزِمَ أن يَكون كلامُه مُشابِهًا لكلام المَخلوقين؟

فالجَوابُ: لا يَلزَم؛ لأن الكلام لا يُمكِن أن يَكون كلامًا إلَّا بهذا، لكن صوت الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ الذي يُسمَع ليس كأصوات المَخلوقين؛ لأن الصوت هو صِفته، لكن الحُروف صِفة الكلام الذي تَكلَّم به، وهي لا يُمكِن أن تَكون كلامًا إلَّا بتَرتيب بعضُه بعد بعض.

فإن قال قائِل: لماذا لا يَكفُر مَن يَقول: إن القرآن محُدَث؟

فالجوابُ: لا يَكون كُفْرًا لأن لهم تَأويلًا، يَقو لون: محُدَث إِنزالُه، ليس الذِّكْر المُحدَث بل إنزاله، ولا شَكَّ أن هذا إقحام لكلِمة إنزال في غير دليل، مثل قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: ٢٢] قالوا: المَعنى: وجاء أَمْر رَبِّك، فأَقحَموا أَمْر، فنظَرًا لهذا التَّأويلِ لا نَحكُم بكُفْرهم.

فإن قال قائِل: لا يُنافِي هذا كِتابته في اللَّوْح المَحفوظ؟

فالجَوابُ: لا يُنافِي ذلك؛ لأنه ليس هناك دَليل قَطعيٌّ يَطمَئِن الإنسان إليه بأن القُرآن كُتِب أوَّلًا في اللَّوح المَحفوظ.

<<  <   >  >>