قوله:"ولا تُمهِل حتى إذا بلغتِ الحلقومَ"؛ أي: ولا تُؤخِّر الصدقةَ إلى أن بَلَغَتِ الرُّوحُ الحُلقومَ؛ يعني: إلى أن قَرُبْتَ من الموت وتعلم مفارقتَك من الدنيا، فتقول لوَرَثَتِك: أعطُوا الفقيرَ الفلاني كذا من مالي، واصرفوا في عمارة المسجد الفلاني كذا من مالي.
قوله:"وقد كان لفلان"؛ يعني: في هذه الحالة ثُلثا مالِكَ لوَرَثَتك، ولا يجوز تصرُّفُك في هذه الحالة فيما زاد على ثُلث مالِكَ، وأنتَ تأمرُ في هذه الحالة بصرف جميع أموالك في الخيرات، فكيف تُقبَل صدقةٌ من مالٍ ليس لك فيه حكمٌ، وهو ثُلثا مالِكَ.
* * *
١٣٢٣ - وعن أبي ذرٍّ قال: انتهيتُ إلى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو جالسٌ في ظِلِّ الكعبةِ، فلمَّا رآني قال:"هُمُ الأَخسرونَ وربِّ الكَعْبةِ"، فقلتُ: فِداكَ أَبِي وأُمي، مَن هم؟، قال:"هم الأكثرونَ أموالًا إلا مَنْ قال هكذا وهكذا وهكذا من بينِ يديهِ، ومِن خلفِه، وعن يميِنه، وعن شِمالِه، وقليلٌ ما هم".
قوله:"هم الأخسرون"، (هم) ضمير عن غير مذكور، ولكن يأتي تفسيره، وهو قوله:"هم الأكثرون أموالًا"؛ يعني: مَن كان مالُه أكثرَ، وإثمُه أكثرَ، وخسرانُه أكثرَ.
"إلا من قال هكذا"، (قال) هنا من قولهم: (قال بيده): إذا أشار بيده إلى جانب؛ يعني: إلا مَن حرَّك وأَعملَ يدَه في صرف ماله في الخيرات من جانب يمينه ويساره وخلفه وقُدَّامه؛ يعني: يعطي مَن سألَه ومَن رأى من المحتاجين، فمَن كان بهذه الصفة ليس من الخاسرين، بل هو من الفائزين.
قوله:"وقليل ما هم"، (ما) زائدة، و (هم) مبتدأ، و (قليل) خبره مقدَّم عليه؛ أي: هم قليلٌ؛ يعني: مَن يصرف مالَه في الخيرات صرفًا كثيرًا قليلٌ.