"فقال بها عليها"، الباء في (بها) تحتمل أن تكون بمعنى اللام، وحينَئذٍ مفعوله محذوف، وتقديره: أمر الله تعالى الملائكة بوضع الجبال على الأرض.
قوله:"الحديد"، وشدةُ الحديد من أجل أنه يَكسِر الحَجَرَ، فتكون أشدَّ من الجبال، وشدةُ النار من أجل أنها تُذيبُ الحديدَ، وشدةُ الماء من أجل أنه يُطفِئ النارَ، وشدةُ الريح من أجل أنها تَقطَع الماءَ وتشقُّه وتفرِّقه.
وكونُ تصدَّق بني آدم سرًّا أشدُّ من الريح؛ إما لعظم ثوابه، فإن ثوابَ التصدُّق في حال السرَّ أعظمُ من هذه الأشياء، وإما لأنه مخالفةُ النفس وقهرُ الشيطان، وهذان الوصفانِ أعظمُ أيضًا من هذه الأشياء، وإما لأنه تحصيلُ رضا الله تعالى وتبعيدُه من الرياء، ولا شك أن تحصيلَ رضا الله تعالى والإخلاصَ أعظمُ من هذه الأشياء.
* * *
٨ - باب أَفْضَل الصَّدَقة
(باب أفضل الصدقة)
مِنَ الصِّحَاحِ:
١٣٦٨ - قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خيرُ الصَّدقةِ ما كانَ عن ظَهْرِ غِنًى، وابدأْ بمَنْ تَعُولُ".
قوله:"خيرُ الصدقة ما كان عن ظَهرِ غِنىً"، (الظَّهر): زائدة في المعنى؛ أي: عن غِنًى، وإما كان: خيرُ الصدقة ما كان عن ظَهر غِنًى؛ لأن معنى (غنى) هنا: أن يترك قُوتَ نفسه وعياله، ويتصدَّق بالفضل، فيكون التصدُّقُ بما فضل عن قُوتِه وقُوتِ عياله أفضلَ من أن يتصدَّقَ بجميع ماله، ويتركَ نفسَه وعيالَه في الجوع والشدة.