(الحكيم): المُحكَم، وهو مفعول من (أحكم): إذا بالغ في إصلاح شيء وشدِّه؛ يعني: القرآن قوي ثابت لا يُنسَخُ إلى يوم القيامة، ولا يَقدِرُ جميعُ الخلق على أن يأتوا بآية مثله.
قوله:"لا تزيغُ به الأهواء"؛ أي: لا تميل به الأهواء؛ أي: بسببهِ أهلُ الأهواء؛ يعني: لا يصير بالقرآن أحدٌ مبتدعًا وضالاً، بل يصير الناس بالقرآن مهتدين، ومن صار مبتدعًا وضالاً إنما صار بتلك الصفةِ لعدمِ اتباعه القرآنَ، أو لعدمِ [أو] قصورِ فهمهِ معانيَ القرآن.
ويحتمل أن تكون الباء في (به) للتعدية، وحينئذ يكون تقديره: لا يزيغُهُ أهلُ الأهواء؛ يعني: لا يقدر أهل الأهواء على تبديله وتغييره.
و (الأهواء): البدع والضلالات.
قوله:"ولا تلتبسُ به الألسنةُ"، (التبس): معناه: اشتبه واختلط؛ يعني: لا تختلطُ الألسنة المختلفة بالقرآن؛ يعني: لا يدخلُ لكلِّ لسان من التركي والزنجي وغيرهما في القرآن، بل لا يقرأُ إلا على لسان العرب، ويقرأ جميعُ الناس على لسان العرب كما أنزل، ولا يجوزُ لأحدٍ تغييره عن هذا اللفظ.
وقيل: معناه: لا يتعسَّرُ على الألسنة، ولا تتحيَّرُ ألسنةُ المؤمنين بتلاوة القرآن، بل يتيسَّرُ ويسهلُ على ألسنتهم تلاوةُ القرآن، كقوله تعالى:{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ...}[مريم: ٩٧] إلى آخر الآية.
قوله:"ولا يَخلُقُ عن كثرةِ الردِّ"، خلَق يَخلُق: إذا بلي.
(كثرة الرد)؛ أي: كثرة التلاوة؛ يعني: لا يَبلى بكثرة القراءة، بل يصيرُ كلَّ مرة يقرأ به القارئ أكثرَ لذَّة وجدَّة.
قوله:"ولا تنقضي عجائبُهُ"؛ أي: ولا تنتهي معانيه العجيبة وفوائده الغزيرة؛ يعني: لا ينتهي أحدٌ إلى كُنْهِ معانيه.