بقَومٍ يُذْنِبُونَ، فيستغفِرُونَ الله، فيغفِرُ لهم".
قوله: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم".
الباء في (بكم) للتعدية، و (بقوم) للتعدية.
لا يظنن قومٌ أن هذا الحديث يحرض الناس على الإذناب، ويُجوِّز الإذناب، بل سبب صدور هذا الحديث من رسول الله عليه السلام: أن الصحابة - رضي الله عنهم - كان قد غلب عليهم خوف الله، واستولى على قلوبهم تعظيم الله تعالى، بحيث اشتغلوا بالكلَّية بالعبادة والتقوى، حتى قال جماعة: نحن نَفِرُّ من بين الناس إلى رؤوس الجبال كي لا يَشْغَلَنا الناسُ عن عبادة الله، ولا يحدثوننا فيحصل لنا إثمٌ بالمحادثة، وقال جماعة: نحن نَخْصي أنفسنا، وقال جماعة: نحن نعتزل النساء، وقال جماعة: نحن لا نأكل الأطعمة اللذيذة ولا نلبس الثياب الجديدة.
وقال بعضهم: أنا أصلي الليل ولا أرقدُ، وقال بعضهم: أنا أصوم النهار ولا أفطر، فزجرهم رسولُ الله عليه السلام عن هذه الأشياء بقوله عليه السلام: "ليس منَّا مَنْ خصى ولا منِ اخْتَصى".
وبقوله: "مَنْ رَغِبَ عن سنَّتي فليس مني".
وبقوله: "لا تشدِّدوا على أنفسِكم"، ثم قال لهم هذا الحديث؛ أعني: "لو لم تذنبوا" تسليةً لخواطرهم وإزالةً لشدة الخوف عن صدورهم، ومنعهم عن اليأس من رحمة الله، وتحريضهم على الرجاء إلى رحمة الله تعالى، وإظهار كرم الله ورحمته، وتعليمهم أنَّ الله تعالى يحبُّ الاستغفارَ والتوبة.