قوله:"لَعَلِّي لا أراكم بعد عامي هذا"، (لعلِّي): كلمةُ الترجِّي، وتُستعمَلُ بمعنى الظنِّ، وبمعنى عسى؛ أي: تعلَّمُوا مني أحكامَ الدِّين، فإني أظنُّ أن لا أراكم في السنة التي تأتي بعد هذه السنة.
يعني فراقه من دار الدنيا إلى دار العُقْبى، وقد كان كما ظنَّه، فإنه فارقَ الدنيا في تلك السنة في الثاني عشر من شهر ربيعٍ الأول في السنة العاشرة من الهجرة، جزاه الله عنا وعن جميع المسلمين ما هو به أولى من الوسيلة والزُّلْفَى.
* * *
مِنَ الحِسَان:
١٨٨٧ - عن محمد بن قَيْس بن مَخْرَمَة قال: خَطَبَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"إنَّ أَهلَ الجاهِليَّةِ كانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرفةَ حينَ تكون الشَّمسُ كأنَّها عَمائِمُ الرِّجالِ في وجُوهِهِمْ قبلَ أنْ تغرُبَ، ومِنَ المُزْدَلِفَةِ بعدَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حينَ تكون كأنَّها عَمائِمُ الرِّجالِ في وجُوهِهِمْ، وإنَّا لا نَدْفَعُ مِنْ عَرَفَةَ حتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، ونَدْفَعُ مِنَ المُزْدَلِفَةِ قبلَ أنْ تَطلُعَ الشَّمسُ، هَدْيُنا مُخالِفٌ لِهَدْي أَهْلِ الأَوْثانِ والشِّرْكِ".
"إن أهل الجاهلية كانوا يَدْفَعُون من عَرفَةَ"؛ يعني: حتى تكونَ الشمسُ كأنها عمائمُ الرجالِ في وجوههم، يريدُ بقوله:(كأنها عمائمُ الرجال): أن الشمسَ عند الغروب يخلطُ نورُها بظِلِّ الجبال والأشجار، ويشبهُ نورَ الشمسِ بين الظِّلِّ عمائمَ الرجال الواقعِ ظِلُّها وأثرُها على الوجوه.
يعني: كانَ أهلُ الجاهلية يذهبون من عرفَةَ قبل أن تغربَ الشمسُ، ومن مزدلفة قبل أن تطلُعَ الشمس، وفي دين الإسلام لا يذهبُ الحُجَّاجُ من عرفةَ إلا بعد غروب الشمس، ويذهبون من مزدلفةَ قبلَ طلوع الشمس، فمن ذهب من عرفةَ قبل غروب الشمس، فلا شيءَ عليه، وفي قولٍ: يجبُ عليه دمُ شاةٍ.