قوله:"الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ"؛ يعني: بعضُ الأشياء ظاهرٌ كونُه حلالًا؛ مثل النبات والأشجار في الموات، ومثل ماء البحر والأنهار والعيون في الموات، ومثل ما عَلِمَ الرجلُ كونَه حلالًا، وبعضُ الأشياء ظاهرٌ كونُه حرامًا؛ كالخمر وأخذ مال أحدٍ بغير حقًّ وغير ذلك، وبعضُ الأشياء مُشبَّهٌ كونهُ حلالًا أو حرامًا.
ومعنى (اشتبه): خَفِيَ؛ أي: خَفِيَ عليه كونُه حلالًا أو حرامًا؛ مثل أن يأتيك من بعض ماله حلالٌ، وبعض ماله حرامٌ، وأعطاك شيئًا من ماله بعِوَضِ ما اشترى منك، أو بالصدقة أو الضيافة، وأنت لا تعلم أنه من ماله الذي هو حلالٌ أم من ماله الذي هو حرامٌ؛ فهذا هو مالُ الشُّبهة، هذا إذا كان مالُه الحلالُ متميزًا عن ماله الحرام، وأنتَ لا تعلم أن ما أعطاك هو مِن أيهما، أما إذا خُلِطَ الحرامُ بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر صار جميعُ ذلك المخلوط حرامًا في حقِّ مَن يعرف كونَ ذلك المال مخلوطًا من الحلال والحرام، فإذا عرفتَ هذه القاعدةَ فاعرف أن الحرامَ واجبٌ اجتنابُه، والشُّبهةَ مكروهٌ أخذُها، ولكن ليس بحرامٍ.
واعلم أنَّا نحكم بحلال أموال جميع المسلمين والكفار لمُلَّاكهم، ولمَن أخذه مِن مُلَاّكهم بطِيب أنفسهم، إلَّا من تيقنَّا كونَ ماله حرامًا، مثل ثمن الخمر، والكلب، والخنزير وأجرة المُغنِّي غناءً حرامًا، وأجرة الزانية، وغير ذلك مما تيقنَّا بكونه حرامًا، فإنَّا نَحكم حينَئذٍ بكونه حرامًا، وما لا نعرف كونَه حرامًا، ولكن نعرف أن له مالًا حلالًا وحرامًا نَحكم بكونه ماله الشُّبهة، وما سوى ذلك فهو حلالٌ، ومالُ الكفَّار يجوز للمسلمين أخذُه إذا كانوا حربيين؛ أي: ليس بينهم وبين المسلمين ذِمَّةٌ وعهدٌ.