قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خُذِيها وأَعتقِيها"؛ يعني: اشترِيها وأَعتقِيها، وفي رواية:"خُذِيها واشترطي لهم الولاء؛ فإنما الولاءُ لمَن أَعتق".
قال المصنف - رحمة الله عليه - في "شرح السُّنَّة": هذه الرواية - أعني قوله:"واشترطي لهم الولاء" - تفرَّد بها هشام، ولم يَرْوِه باقي الرواة، فلم يكن صحيحًا؛ لأنه لا يجوز أن يُظَنَّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأمرَ عائشةَ بأن تشترطَ شرطًا لا يجوز؛ لأنه إذا اشترطت عائشة لهم الولاء، ولم يحصل لهم الولاء، بل يكون الولاء لمَن أَعتق، فيكون تغريرًا وخداعًا، وهذا لا يليق بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
فإذا عرفتَ هذا فاعلم أنه اختُلف في جواز البيع بشرط الإعتاق؛ فالأصح من قولَي الشافعي: أن البيعَ والشرطَ صحيحانِ، وفي قول آخر، وبه قال أبو حنيفة: إن البيعَ باطلٌ، فإذا صححنا البيعَ؛ فإن أَعتقَ المشتري العبدَ فهو المراد، وإن لم يُعتق في قولٍ: يُجبَر عليه، وفي قول: كان البائعُ بالخيار بين الفسخ وبين الرضا بترك الإعتاق، فإن باعَ بشرط الإعتاق على أن يكون الولاءُ للبائع، فالمذهب: أن البيعَ باطلٌ، وفي قول آخر: أن البيعَ صحيحٌ، والشرطَ باطلٌ، ويكون الولاءُ لمَن أَعتق.
واعلم أن بريرةَ كانت مُكاتَبةً، وقد اشترتها عائشةُ، فهل يجوز بيعُ المُكاتَب أم لا؟ فيه خلاف؛ فقال مالك وأحمد: يصح بيع المُكاتَب، ولكن لا تبطل الكتابة؛ بل لو أدَّى المُكاتَب المالَ إلى المشتري عتقَ بالكتابة، ويكون الولاء للبائع لا للمشتري.
وقال الشافعي: لا يجوز بيع المُكاتَب إلا أن يشترطَ البائعُ على المشتري إعتاقَ المُكاتَب كما في قصة بريرة، فإن عائشةَ اشترتْها وأعتقتْها، وقيل: رضيت بريرة بأن تشترطَ عائشةُ فسخَ الكتابة منها؛ لعجزها عن أداء المال، فعلى هذا لم يكن مُكاتَبةٌ عند شراء عائشة إياها.