قوله:"لا حمى إلا لله ولرسوله"، (الحِمى) بكسر الحاء: بمعنى المَحْمِي، وهو المحفوظ، ويجوز أن يكون مصدرًا ومعناه: الحفظ، والمراد من الحِمَى في الشرع: أن يحفظ موضعًا عن أن ترعاه ماشيةٌ ليكثر نباته، والحِمَى كان جائزًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه، ولصالح المسلمين.
ومع أنه يجوز له - صلى الله عليه وسلم - أن يحمي لنفسه لا يحمي، وإنما حمى البقيع -وهو موضعٌ بالمدينة - لترعاه إبل الزكاة والجزية، وخيلُ جيش الغزاة، ولم يجوِّز لمن بعده من الخلفاء وغيرهم من الملوك أن يحموا لأنفسهم، وهل يجوز لهم أن يحموا لمصالح المسلمين من رعي إبل الزكاة والجزية وخيل الجيوش أم لا؟.
فالأصح: أنه يجوز لهم.
روى هذا الحديث الصَّعْبُ بن جَثَّامة، والله أعلم.
* * *
٢٢٠٥ - وعن عُرْوَةَ قال: خاصَم الزُّبيرُ رجُلاً مِنَ الأنصارِ في شَريجٍ مِنَ الحَرَّةِ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اِسْقِ يا زُبيرُ ثمَّ أَرسِلِ الماءَ إلى جارِكَ". فقال الأنصاريُّ: أنْ كانَ ابن عمَّتِكَ؟ فتلوَّنَ وَجْهُهُ ثمَّ قال:"اِسْقِ يا زُبيرُ ثمَّ احْبسْ الماءَ حتَّى يَرجِعَ إلى الجَدْرِ، ثمَّ أرسِلْ الماءَ إلى جارِكَ". فاسْتَوْعَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للزُّبير حقَّهُ في صَريح الحُكْمِ حينَ أحفَظَهُ الأنصاريُّ، وكانَ أشارَ عليهِما بأمرٍ لهُما فيهِ سَعَةٌ.
قوله:"خاصم الزبير رجلًا من الأنصار في شراجٍ من الحرة"، (الشِّراج) بكسر الشين: جمع شرج، وهو مسيلُ الماء من الحَرَّة - أي: من بين الحجارة - إلى الموضع السهل.
يعني: كانت أرض الزبير أعلى من أرض الأنصاري، وكانت كلتا الأرضين