العبادات يسهُل عليه كلُّ خير، ويأتي منه كلُّ خير؛ لأن المشقة في دخول الدار يكون بفتح الباب المغلق، فإذا فتح الرجل الباب يسهل دخول الدار، فكذلك هذه العبادات الثلاث متعسِّرة شديدةٌ على النفس، فإذا اعتادت النفس بها اعتادت بجمع العبادات.
وقوله:"الصوم جنة" بضم الجيم وتشديد النون: الشيء الذي يجنُّ؛ أي: يَستر الرجلَ عن سهام العدو، وسمِّي الصومُ جنةً؛ لأن الصوم مانعٌ للرجل عن الأكل والشرب وقضاء الشهوة والشتم والغيبة والكذب والبهتان، وهذه الأشياء من حظوظ النفس، ومنعُ حظوظ النفس منع النار عنه؛ يعني: كما أن الصوم مَنَعَ الرجل عن حظوظ نفسه مَنَعَ النار عنه أيضًا يوم القيامة؛ لتكون راحةُ دفع النار في مقابَلةِ ما فات عنه من راحة الأكل والشرب في الدنيا بسبب الصوم.
قوله:"الصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار"، (الصدقة) ها هنا هي صدقةُ التطوع لا الصدقة التي بمعنى الزكاة؛ لأن الزكاة قد ذكرت قبل هذا.
(الخطيئة): الذنب؛ يعني: الصدقة تمحو وتُزيل الذنوب كما تطفئ الماء النار، وهذا مثل قوله عليه السلام لأبي ذر - رضي الله عنه -: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تمحُها"، ومثلُ هذا قوله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود: ١١٤].
(الإطفاء): إخماد النار.
فإن قيل: كيف تزيل الحسنة السيئةَ؟.
قلنا: لا تخلو السيئة: إما أن تكون بين العبد وبين الله تعالى، أو بين العبد وبين إنسان كالمظلمة:
فإن كانت بين الرجل وبين الله تعالى فإن الرجل إذا عمل سيئةً يَغضب الربُّ عليه، وإذا عمل حسنةً يرضى عنه الربُّ جل جلاله، والرضا والغضبُ لا يجتمعان في قضية واحدة، بل إذا رضي الله تعالى عن العبد يترك غضبه ويعفو عن سيئاته؛