فقالت: يا رسولَ الله! إِنَّ ابنتي تُوفِّيَ عنها زَوجُها، وقد اشتَكَتْ عينَها أَفَنَكْحُلُها؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا"، مرتينِ أو ثلاثًا، كلُّ ذلكَ يقولُ:"لا"، ثم قال:"إنما هي أربعةُ أَشْهُرٍ وعَشْرٌ، وقد كانَتْ إحداكُنَّ في الجاهليةِ تَرْمي بالبَعرةِ على رأسِ الحولِ".
"أفنَكحلُها؟ "؛ أي: نَكحلُها نحن، أو تأذن لها، فتَكتحل.
"فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا، مرتين أو ثلاثًا"، (أو): شكٌّ من الرَّاوي؛ يعني: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يجوز لها الاكتحالُ، قاله مرتين أو ثلاثَ مراتٍ للمبالغة.
الظاهرُ أنَّ هذا الحديثَ مُستنَدُ أحمدَ رحمةُ الله عليه؛ فإنه لم يُجوِّز للمُتوفَّى عنها زوجُها الاكتحالَ بالإثمد في حالة الرَّمَد وفي غيره، ذكرَه الخِرَقيُّ في "مختصره"، وعند أبي حنيفة ومالك: يجوز لها الاكتحالُ به في الرَّمَد. وعند الشافعي: يجوز لها أن تَكتحلَ به ليلًا، وتمسَحه نهارًا إذا احتاجت إليه لرَمَدٍ، ذكره مُحيي السُّنَّة في "معالم التنزيل".
قوله:"قد كانت إحداكنَّ في الجاهلية تَرمي بالبَعرة على رأس الحَول"، (البَعْرة) بسكون العين: واحدة البَعْر والأبعار، وهي رَوث البعير، (الحَول): السَّنة.
وقال في "شرح السُّنَّة": معنى رميها بالبَعرة كأنها تقول: كان جلوسُها في البيت وحبسُها نفسَها سَنةً على زوجها أهونَ عليها من رمي البَعرة، أو هو يسيرٌ في جنب ما يجبُ من حقِّ الزوج، وكانت عدَّةُ المُتوفَّى عنها زوجُها حَولًا كاملًا، فنُسخ بأربعةِ أشهرٍ وعشرٍ.