٢٥٨٥ - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لنْ يزالَ المؤمنُ في فُسْحَةٍ مِن دينِهِ ما لم يُصِبْ دَمًا حرامًا".
قوله:"لن يزالَ المؤمنُ في فُسحةٍ من دِينهِ ما لم يُصبْ دمًا حرامًا"، (لن): لتأكيد نفي المستقبل، (الفُسحة): السعة، ومكان فسيح؛ أي: واسع، (ما) في (ما لم يُصبْ) للدوام، (أصاب): إذا وجد.
يعني: المؤمن إذا لم يصدر منه قتلُ نفس بغير حقًّ تسهلُ عليه أمورُ دِينه، ويُوفَّق للعمل الصالح، وإذا صدر منه ذلك، تضيق عليه أمورُ دِينه، ويُشتَّت عليه شَملُه ما لم يَتبْ، أو لم يعفُ وليُّ الدم.
* * *
٢٥٨٨ - عن المِقْدادِ بن الأَسودِ: أنه قال: يا رسولَ الله! أرأيتَ إنْ لقيتُ رجلاً مِن الكُفَّارِ فاقْتَتَلْنا فضربَ إحدَى يديَّ بالسَّيفِ فقطعَها ثم لَاذَ مِنِّي بشجرةٍ، فقال: أسلمتُ للهِ، أَأَقْتُلُه بعدَ أَنْ قالَها؟ قال:"لَا تقتلْهُ"، فقالَ: يا رسولَ الله! إنه قطعَ إحدى يديَّ! فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقتلْهُ، فإنْ قَتَلْتَه فإنَّهُ بمنزِلَتِكَ قبلَ أَنْ تقتُلَهُ، وإنكَ بمنزِلَتِهِ قبلَ أنْ يقولَ كلمتَهُ التي قالَها".
قوله:"فإن قتلتَه فإنه بمنزلتِكَ قبل أن تقتلَه، وإنكَ بمنزلتِهِ قبلَ أن يقولَ كلمتَه التي قالَ": يريد بالكلمة: كلمةَ الشهادة.
قيل: ظاهرُ الحديث شُبهةُ الخوارج ومَن على مذهبهم في تكفير صاحب الكبيرة، وتأويلُ الحديث واجبٌ بدلائل منفصلة، منها قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُكفَّرْه بذنبٍ، ولا تُخرِجْه عن الإسلام بعملٍ"؛ فتأويلُ الحديث: أنَّ التسويةَ بينهما من حيث إباحةُ الدم، لا من حيث الكفرُ؛ لأنَّ الكافرَ قبل ما تلفَّظَ بكلمة التوحيد كان مُباحَ الدم بالكفر، وقاتلُه بعدما أسلمَ يصير بمنزلته قبل ما أسلمَ؛ لأنه صار مُباحَ الدم