ظهرَ على قومٍ أقامَ بالعَرْصَةِ ثلاثَ ليالٍ، فلمَّا كانَ ببدرٍ اليومَ الثالثَ أمرَ براحِلَتِهِ فَشُدَّ عليها رَحْلُها ثمَّ مَشَى، واتَّبَعَهُ أصحابُهُ، حتى قامَ على شَفَةِ الرَّكِيِّ، فجعلَ يُنادِيهِم بأسمائِهم وأسماءِ آبائهم:"يا فُلانُ بن فلانٍ، ويا فُلَانُ بن فلانٍ، أَيَسرُّكم أنكم أطَعْتُم الله ورسولَهُ؟ فإنَّا قد وَجَدْنَا ما وَعَدَنا ربنا حَقًّا، فهل وجدْتُم ما وَعَدَ ربُّكم حقًا؟ قَالَ عمرُ: يا رسولَ الله! ما تُكَلِّمُ مِن أجسادٍ لا أَرْوَاحَ لها؟ قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسُ مُحَمَّدٍ بيدِه، ما أنتُم بأسمَعَ لِما أقولُ منهم".
وفي روايةٍ:"ما أنتُمْ بأسمعَ منهم، ولكنْ لا يُجيبونَ".
قوله:"من صناديد قريش" وهو جمع صنديد، وهو السيد؛ يعني: من كبراء كفار مكة. "فقذفوا"؛ أي: فطرحوا. "في طويًّ"؛ أي: بئر.
"وكان"؛ أي رسول الله "إذا ظهر"؛ أي: إذا غلب "على قوم" وأخذ بلدًا من بلاد الكفار أقام بعَرْصةِ ذلك البلد ثلاثةَ أيامٍ ليطهِّر تلك العَرْصةَ من الكفار.
"على شفة الرَّكِيَّ"؛ أي: على طرف البئر التي أُلقي فيها أولئك الصناديد.
"فجعل"؛ أي: فطفق النبي - صلى الله عليه وسلم - ينادي كلَّ واحدٍ من أولئك الكفار المقتولين المقذوفين في تلك البئر "أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله"؛ يعني: هل تتمنَّون أن تكونوا مسلمين بعد ما وصلتم إلى عذاب.
"فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا"؛ أي: ما وعدنا ربنا من أن يجعلنا غالبين عليكم، ومن أن يقوِّيَ ديننا، فقد جعل ما وعدنا به حقًا وصدقًا، فهل وجدتم وعد ربكم من العذاب حقًا.
"ما تَكلَّم من أجساد لا أرواح لها"؛ أي: ما تتكلم، (ما) للاستفهام، ويجوز أن تكون (ما) بمعنى الذي؛ يعني: الذي تتكلمُ معه من الأجساد أجسادٌ لا أرواح لها، فكيف يجيبونك؟!