قال الخطابي: إنما شرب هذا قائمًا؛ لأن الجلوس متعذِّرٌ عند زمزم لضيق المكان بازدحام الناس وغيره من الأعذار؛ يعني: الشرب قائمًا منهيٌّ إلا لعذر، وأجاز الشربَ قائمًا لغير عذر أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب وجماعة من الصحابة، ورخَّص الحسنُ البصريُّ الأكل ماشيًا للمسافر، وكان حذيفةُ يأكل راكبًا، والمختار عند الأئمة: أنه لا يأكل ماشيًا ولا راكبًا ولا قائمًا.
* * *
٣٢٨٤ - وعن عليٍّ - رضي الله عنه -: أنَّهُ صلَّى الظُّهرَ ثمَّ قعدَ في حَوائِجِ النَّاسِ في رَحبةِ الكُوفةِ حتَّى حَضَرَتْ صلاةُ العصرِ، ثمَّ أُتيَ بماءٍ فشرِبَ وغسلَ وجهَهُ ويدَيْهِ، وذكرَ رأسَهُ ورِجلَيْه، ثمَّ قامَ فشرِبَ فضلَهُ وهو قائمٌ، ثمَّ قال: إنَّ ناسًا يكرَهونَ الشُّرْبَ قائمًا، وإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صنعَ مثلَ ما صنعتُ.
قوله:"ثم قعد في حوائج الناس في رَحْبة الكوفة"؛ يعني: جلس للقضاء وفَصْلِ الخصومات.
"في رَحْبة الكوفة"؛ أي: في فَضَاءِ وفُسْحةٍ بالكوفة.
* * *
٣٢٨٥ - عن جابرٍ: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دخلَ على رجُلٍ مِنَ الأنصارِ ومعَهُ صَاحِبٌ لهُ، فسلَّمَ، فردَّ الرجُلُ، وهو يُحوِّلُ الماءَ في حائطٍ، فقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنْ كانَ عِندَكَ ماءٌ باتَ في شَنَّةٍ وإلَّا كَرَعْنا". فقال: عِندِي ماءٌ باتَ في شَنٍّ. فانطلقَ إلى العَريشِ فسكبَ في قَدَحٍ ماءً، ثمَّ حَلَبَ عليهِ مِنْ داجِنٍ، فشرِبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثمّ أعاد فشرِبَ الرجُلُ الذي جاءَ مَعَهُ.
قوله:"وهو يحول الماء"؛ أي: يجري الماء من جانب إلى جانب.