"كما يرزق الله الطير تغدو"؛ أي: تمشي في أول النهار "خماصًا": جمع خميص، وهو الجائع، "وتروح"؛ أي: تمشي في آخر النهار "بطانًا": جمع بطين وهو الشبع.
وهذا الحديث ليس لمنع الناس عن الاكتساب والحرف، بل لتعليم الناس وتعريفهم أن الكسب ليس رازقًا، بل الرازق هو الله تعالى.
فإن قيل: لمَ خصَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الطير بقوله:(كما يرزق الطير) مع أن الطير مشترِكةٌ بسائر الحيوانات غيرِ أولي العقل في عدم الاتِّجار والحرف والاكتساب، بل كما تسعى السباع والحشرات في طلب الرزق، فكذلك تسعى الطير في طلب الرزق؟.
قلنا:(تغدو وتروح) في هذا الحديث ليس معناهما الذهاب في وقت الغداة والرواح، بل (تغدو) معناه: تصبح؛ أي: يمر عليه الصباح، و (تروح)؛ أي: تمشي؛ أي: يمر عليها المساء؛ يعني: بعض الطيور يصل إليه رزقه بلا سعي منه.
قد حكي: أن النَّعَّاب - وهو فرخ الغراب - إذا خرج من البيض يكون أبيض، فإذا نظر إليه الغراب يرى لونه مخالفًا للون نفسه؛ لأن الغراب أسود، فينكر كونَه فرخَه، فيتركه ويذهب عنه، فيبقى الفرخ ضائعًا متحيرًا لا يقدر على الطيران في طلب الرزق، وليس له من يأتي إليه برزقه، فأرسل الله إليه الذباب والنمل، فيلتقط الذباب والنمل ويأكل، فيكون سببُ رزقه أكلَ الذباب والنمل حتى يكبر ويسودَّ لونه، فترجع أمه فتراه أسود، فتضمه إلى نفسها وتتعهده، فهذا طير يصل إليه رزقه من غير سعي منه.