فإن قيل: بهذا الحديث ينبغي أن لا يكونَ إلياسٌ والخضرُ - عليهم السلام - في الحياة، فهما داخلان تحت عموم الحديث؛ لأن الأصل أن يكون العام باقيًا على عمومه، ويقويه هنا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان الخضرُ حيًا لزارني".
قيل: ظاهرُ الحديث يدلُّ على عدم حياتهما عليهما السلام، إلا أن الإمامَ مُحيي السنةَ ذكر دوام حياتهما - عليهما السلام - في "معالم التنزيل" في تفسير قوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}[مريم: ٥٧].
قيل: أربعةٌ من الأنبياء في الأحياء؛ اثنان في الأرض: الخضر وإلياس، واثنان في السماء: إدريس وعيسى عليهم السلام، فإذا كان كذلك؛ فالحديثُ مخصوصٌ بهما؛ لأن العامَّ يجوز تخصيصه بقرائن عقلية أو نقلية، وهنا نقلية؛ إذ قد استفاضَ في الأمم كلها حياتهما، فإذا تقرَّرَ هذا، فلا يكون مناقضًا للحديث.
ويحتمل أن يقال: هما - عليهما السلام - لم يدخلا في هذه الأمة، فيدخلا تحت العموم؛ لأنهما نبيَّان، ولا يكون نبي أمة نبي آخر، فكأنه أراد هنا: ما من نفس منفوسة من أمتي إلا وبعد انقضاء المئة يأتي عليها الفناءُ؛ إخبارًا عن أعمار أمته.
فالفائدة من هذا الإعلام: تنبيهٌ منه - صلى الله عليه وسلم - على قدرة الله تعالى في إهلاكِ جميع العالم، والإتيانِ بغيرهم جملة عن جملة، ومن كان قادرًا كذا، كان قادرًا على إحياء الكلِّ، كما قدر على إهلاك الكل بعد مئة، وإنشاء أصناف منها، أو الدهورُ الداهرة، والأركانُ الغابرة، تعالى عمَّا يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
* * *
٤٢٦٦ - وعن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: كانَ رِجالٌ منَ الأَعْرابِ جُفاةٌ يأتونَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ويَسأَلونَهُ عن السّاعةِ، فكانَ ينظُرُ إلى أَصْغرِهِمْ فيقولُ:"إنْ يَعِشْ هذا لا يُدرِكْهُ الهَرَمُ حتَّى تَقُومَ عَلَيكُمْ ساعتُكم".