أما المتكلمون من أهل السنة والمعتزلة: فقد أوَّلوا جميع الألفاظ الواردة في هذا الباب على ما يليقُ بذاته سبحانه.
وهؤلاء يقفون في قراءة قوله تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}[آل عمران: ٧] على قوله: {فِي الْعِلْمِ}.
والفرقة الأولى - وهم السلف الصالح - رضي الله عنهم - يقفون على قوله تعالى:{إِلَّا اللَّهُ}.
فإذا تقرَّر هذا؛ فالمراد من اليد واليمين والشمال: القدرة، والمراد من الطيِّ: التسخير التام والقهر الكامل، وهو كذلك الآنَ أيضًا، ولكن في القيامة أظهر؛ لأنه لا يبقى أحدٌ يدَّعي الملكَ المجازي، كما هو في الدنيا.
قوله:"ثم يطوي الأرضين بشماله": وإنما قال: بشماله، ولم يقل: بيمينه؛ بيانًا لشرف العُلويات على السُّفليات، والعادةُ جرت على أن الشريف يباشر ما فيه شرف، لا أنه ثبت له شمالٌ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلتا يديه يمين"، وإنما قال: كلتا يديه يمين؛ لأن الشمال بالإضافة إلى اليمين ناقصٌ في القوة، والنقصانُ لا يتطرَّقُ على ذاته سبحانه.
قال الإمام التُّورِبشتي: يحتمل أن هذا غلطٌ من الراوي، أو ظنٌّ منه على أن إحداهما سدَّ مسدَّ الأخرى، والأولى أن لا يُغلَّط الراوي، ويُجمَع بين الحديثين - يعني: بين هذا الحديث، وبين قوله:"كلتا يديه يمين" - ونقول: التوفيقُ بينهما، والعلمُ عندَ الله سبحانه: أنا إذا جعلنا اليدَ عبارةٌ عن القدرة، وهو مطابقٌ لقوله:"كلتا يديه يمين"؛ لأن هذا أيضًا إشارةٌ إلى تنزيهه عن الجوارح والأجسام، فإنه لو كان جسمانيًا؛ لاستحال أن تكون كلتاهما يمينًا، والفرقُ بين اليمين والشمال: أن الأخذ باليمين عبارة عن أنَّ التسخير الأول أتم وأكمل من التسخير الثاني المعبر عنه بالأخذ بالشمال؛ لأن السماء السابعة مثلًا أكبرُ الأجسام، فيكون تسخيره أقوى من تسخير ما تحته من السماوات.