للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حفظَها، ونسيَ ذلك مَن نسيَه، وإذا كان مخصوصًا بالله فظاهرٌ، فهذه المرتبةُ العظيمةُ التي هي إخبارهُ إيانا من المغيبات التي أخبرها الله سبحانه إياه - صلى الله عليه وسلم - مختصةٌ به، فإنها غيرُ مَرويةٍ عن غيره من الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين.

* * *

٤٤٢٤ - وعن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - قالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "إنَّ الله تعالى كتبَ كِتابًا قبلَ أنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ: إنَّ رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبي، فهو مَكْتوبٌ عِندَهُ فَوْقَ العَرْشِ".

قوله: "إن الله كتب كتابًا قبل أن يَخلُقَ الخلقَ: إن رحمتي سبقتْ غضبي"، (كتبَ)؛ أي: أثبتَ، الرحمة من الله تعالى: إرادتُه الخيرَ لعباده، والغضب منه سبحانه: إرادتُه العقوبةَ لهم.

ومعنى سبقِ رحمتِه غضبَه: أنه لا يعجل في عقوبة الكفَّار والعُصَاة من المسلمين، بل يرزقهم ويعافيهم ويحفظهم عن الآفات، ويُمهلهم إلى يوم القيامة، فإنه لو لم يكن كذلك أُهلكوا حين خرجوا عن طاعته تعالى، ولو لم يَهِلكوا لَسدَّ عليهم أبوابَ الرزق، وفتحَ عليهم أبوابَ الشدائد، وإذ تابوا عن الكفر والمعصية لم يَقبَل الله توبتَهم، ولم يضمحل كفرُهم ومعاصيهم التي ارتكبوها سنينَ كثيرةً، والأمر بالعكس؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الإسلامُ يَهدِم ما كان قبلَه"، و"التائبُ مِن الذنب كمَن لا ذنبَ له".

فإذا تقرَّر هذا عَلِمْنا بالمعقول والمنقول أن رحمتَه سبقَتْ غضبَه تعالى، وكيف لا وما وجب على جناب كبريائه وعظمته شيءٌ، بل ما أَنعَم على عباده من الإيمان والعلم والمعرفة لا يكون إلا مِن نتاجِ فضلِه ورحمتِه العامةِ، وكذلك المغفرةُ واللقاءُ والبقاءُ من ذلك الفضل العميم، لا بجزاء العمل الصالح؛ فإنه

<<  <  ج: ص:  >  >>