قولها:"كان بشرًا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه" قال في "الصحاح": (البَشَر): الخلق، ويريد به: أولاد آدم، و (الفلي): النظر في الرأس أو في الثوب: هل فيه شيء من القمل؟
يعني: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدًا من أولاد آدم من حيث الظاهر، كما قال الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}[الكهف: ١١٠] وكان يعمل بيده ما يعنُّ له من الحوائج كما ذكر قبل، لكنه مخصوصٌ من حيث المعنى بالنبوة والرسالة والقرب من الله سبحانه ما لا يفوز به أحد من الرسل والملائكة، كما قال:"لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملكٌ مقرَّب ولا نبي مرسل".
* * *
٤٥٤٣ - وقِيْلَ لِزَيدِ بن ثَابتٍ - رضي الله عنه -: حدِّثْنا أَحَاديثَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: كُنْتُ جَارَهُ، فكَانَ إذا نزلَ عَلَيهِ الوَحْيُ بعثَ إليَّ فكتَبْتُهُ لَهُ، وكانَ إذا ذَكَرْنا الدُّنْيا ذَكرَها مَعنا، وإذا ذَكَرْنا الآخِرَةَ ذَكَرَها معَنا، وإذا ذكَرْنا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ معَنا، فكُلُّ هذا أُحدِّثُكُمْ عنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
قوله:"كنت جاره، فكان إذا أنزل عليه الوحي" الحديث.
"الجار": الذي يجاورك. "بعث إلي": أرسل. "فكتبته له"؛ أي: كتبت الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
"وكان إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا"؛ يعني: إذا كنا شَرَعْنا في ذكر الدنيا كأنه يوافقنا في ذكرها، وكذلك إذا شرعنا في شيء من ذكر الآخرة وغيرها كان يوافقنا في ذكر ذلك، وهذا في قوله:"فكل هذا أحدثكم" إشارة إلى ما ذكر قبل.
واعلم أن ظواهر هذه الأحاديث كلِّها مستندة لضعفاء أمته - صلى الله عليه وسلم -، وكان ممهدًا بقواعد الشريعة المصطفوية، فلو لم يفعل ذلك لكان في الشرع ضيقٌ