"أنتَ مِنِّي بِمَنْزِلةِ هارونَ مِن مُوسَى، إلا أنَّه لا نبَيَّ بعدي".
قوله - صلى الله عليه وسلم - لعليٍّ:"أنتَ منِّي بمنزلة هارونَ مِنْ موسى إلا أنَّه لا نبيَّ بعدي"، قيل: إنما صدَر هذا الكلامُ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ غزوة تبوك، وقد خَلَّف عليًا - رضي الله عنه - على أهل بيته، وأَمَره أن يُقيمَ في المدينة، ويراعي أحوالَهم يومًا فيومًا، ثم قال المنافقون: ما تركَه إلا لكونه مُسْتَثْقَلًا عنده، فخفَّف عنه ثِقْلَه.
فلما سمع عليٌّ - رضي الله عنه - ذلك، تأذَّى من هذا الكلام، وقصد إلى ذلك الغزو، فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! زعم أهلُ النفاق أنك ما خلَّفتني إلا لكوني ثقيلًا عليك، فخفَّفْت ثِقْلي عن نفسك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: كَذَبُوا ما خَلَّفتك إلا لكرامتك عليَّ، ولأنك مني، فارجع إلى أهلي، واخلُفني فيهم بما أَمَرْتُك، أمَا ترضى بأن تكون مِنِّي بمنزلة هارون من موسى.
فالذي يستدلُّ بهذا الحديث على أنَّ الخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت لعليٍّ - رضي الله عنه - فاستدلالُه بذلك غيرُ صواب؛ لأن الخلافة الجزئية في حياته لا تدل على الخلافة الكلِّية بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، بل إنما يُستدل على قربه واختصاصه بما لا يُباشر إلا بنفسه - صلى الله عليه وسلم -، وإنَّما اخْتُصَّ بذلك؛ لأنه يكون بينه وبين رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - طرفان: القرابة والصُّحبة، فلهذا اختاره بذلك دون غيرِه، والله أعلم.
قال الخطابي: ضَرَبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المَثَلَ باستخلاف موسى هارونَ - عليهم السلام - على بني إسرائيل، حين خرج إلى الطُّور، ولم يُرِدْ به الخلافة بعد الموت، فإن المَضْروبَ به المثل - وهو هارون - كان موتُه قبلَ وفاة موسى، وإنما كان خليفةً في حياته في وقتٍ خاصٍّ، فليكُن كذلك فيمن ضُرِبَ له المَثَلُ به.