قوله لعمرَ في حاطبِ بن أبي بَلْتعة:"إنه شهد بدرًا، وما يُدريك لعلَّ الله قد اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجَبَتْ لكم الجنة".
قوله:"اعملوا ما شئتم" لم يكن ذلك رخصة في ارتكاب المعاصي، بل يكون تنبيهًا على أنهم مغفورون، وقصَّة حاطب مشهورة، وهي: أنَّ عليًا - رضي الله عنه - قال: بعثني رسولُ الله أنا والزبيرُ والمِقْداد، فقال:"انطلِقوا حتَّى تأتوا رَوضةَ خَاخٍ، فإنَّ بها امرأة معها كتاب، فخذوا منها"، قال: فانطلقنا، حتى أتينا تلك الرَّوضة، فأدركناها، فقلنا لها: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، وحَلَفَت، فلما رأت مِنَّا الجِدَّ البليغَ في طلبه أخرجته من ذُؤَابتها.
فأتينا به رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا فيه: مِنْ حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكةَ، إنَّ رسول الله يَقْصِدُكم، فخذوا حِذْرَكم؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لحاطب:"ما حَمَلَك على هذا؟ ".
قال: يا رسول الله! ما نافقْتُ منذ أسلمتُ، ولا خُنْتُكَ منذ آمنت، ولكني حَمَلَني على ذلك أنِّي كنت مُلْصَقًا بقريق، وليس بيني وبينهم قرابة، فأردتُ أن أتَّخِذ عندهم يدًا، يحفَظُون قرابتي، وعلمتُ أن الله تعالى يُطْلِعك عليه.
فصدَّقه رسولُ الله؛ لأن الله تعالى خاطبه بالإيمان، وقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}[الممتحنة: ١]، فقام عمرُ بن الخطاب، فقال: دعني أضربْ عُنُقَ هذا المنافق، فقال له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه قد شَهِدَ بدرًا ... " إلى آخر الحديث.
قوله:"لعلَّ الله قد اطَّلع على أهل بدر"، قال الحافظ أبو موسى: ظنَّ بعضُ الجهال أن قوله: "لعل" من جهة الظن والحُسْبان، وليس كذلك، لِمَا روى أبو هريرة عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"اطَّلع الله على أهل بدر ... " إلى آخره،