١٨٨ - وعن أبي هُريرة - رضي الله عنه - روايةً:"يُوشِكُ أنْ يضربَ النَّاسُ أكبادَ الإبِلِ يطلُبُونَ العِلْمَ، فلا يَجِدُونَ أحدًا أعلمَ مِنْ عَالِمِ المدينةِ".
قال ابن عُيَينة: هو مالك - رضي الله عنه -، ومثله عن عبد الرزَّاق، وقيل: هو العُمَرِيُّ الزَّاهِدُ.
قوله:"يوشك"؛ يعني: يقرب.
"أن يضرب الناسُ أكبادَ الإبل"؛ أي: يُجْهِدَ الناسُ الإبلَ ويَرْكُضُونها في طلب العِلْمِ في جوانب الأرض والبلاد البعيدة.
(الأكباد): جمع كبد، وضرب أكباد الإبل: كنايةٌ عن إسراع الإبل والفَرَسِ وإجهادهما في السير والركض، وسَمُّوا شِدَّةَ الركضِ بضرب الأكباد؛ لأن أكبادَ الإبل والفرسِ وغيرهما تتحرَّك عند الركض، ويلحقها ضَرَرٌ وألم.
يعني: قَرُبَ أن يأتيَ زمانٌ يسيرُ الناسُ سيرًا شديدًا في البلاد البعيدة في طلب العلم، ولا يجدُون عالمًا أعلمَ من عالم المدينة.
وهذا في زمانِ الصحابة والتابعين؛ لأنه في هذين العصرين لم تكن كثرةُ العِلْم في بلدٍ مثلَ ما كانت في المدينة، وأما بعد ذلك؛ فقد ظهرت العلماءُ الفحولُ في كل بلدٍ من بلاد الإسلام نحوِ بغدادَ وكوفة وغيرهما من البلاد أكثر مما كانوا في المدينة.
ولعل غرض النبي - عليه السلام - من هذا الحديث: تعظيمُ المدينة وإظهارُ قَدْرِها وشرفِها عند الناس لكي يقصدَها الناسُ من كل بلد، ويعظِّموا أهلها، ولا يتركوها حتى تَخْرَبَ.