اولى الناس به الأنبياء فمن اين ذلك صياح كصياح العنز فما أقبح من صوت وما استبهج من امر فانزل الله تعالى ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وانزل الله هذه الاية ذلِكَ الاستهزاء بالحق بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ فان مقتضى العقل ترك الاستهزاء والتأمل فى حسن الشيء وقبحه وفى هذه الاية دليل على ان الكافرين مع كونهم عاقلين فى امور الدنيا كما يشهده البداهة لا يعقلون شيئا من امور الدين وبهذا يظهر ان صرف الحواس والعقل والنظر فى المقدمات ليست علة موجبة لحصول العلم بالمطالب كما يزعمه الفلاسفة بل هو امر عادى يخلق الله العلم بعد النظر ان شاء والله اعلم روى ابن جرير عن ابن عباس قال اتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود فيهم ابو ياسر بن اخطب ورافع بن ابى رافع وعارى بن عمرو فسألوه عمن يؤمن به من الرسل قال او من بالله وما انزل الى ابراهيم واسمعيل واسحق ويعقوب والأسباط وما اوتى موسى وعيسى وما اوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا لا نؤمن بعيسى ولا بمن أمن به وفى رواية قالوا والله ما نعلم اهل الكتاب اقل حظّا فى الدنيا والاخرة منكم ولا دينا شرا من دينكم فانزل الله تعالى.
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ قرأ الكسائي بإدغام لام هل وبل فى التاء كما فى هذه الاية وقوله تعالى هل تعلم والثاء والسين والزاء والطا والضاد والنون نحو هل ثوب وبل سولت وبل زين وبل طبع وبل ظننتم وبل ضلوا وهل ندلكم وهل ننبئكم وهل نحن وشبهه وادغم حمزة فى التاء والثاء والسين فقط واختلف عن خلاد عند الطاء فى قوله بل طبع وادغم ابو عمرو هل ترى من فطور فهل ترى لهم فى الملك والحاقة لا غير واظهر الباقون عند اليمانية والاستفهام للانكار بمعنى النفي والنقمة العيب المنكر المكروه والأسقام مكافاته ومعنى ما تنقمون ما تنكرن وتكرهون وتعيبون مِنَّا اى من اعمالنا وصفاتنا شيئا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ يعنى الا ايمانا بالله وبكل ما انزل الله من الكتب وذلك هو الحسن البين حسنه وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ الواو للحال من فاعل هل تنقمون يعنى لا تكرهون الا أيماننا والحال ان أكثركم فاسقون اى كافرون فمالكم لا تعلمون انكم على أقبح الصفات من انكار الكتب السماوية ونحن على أحسنها ومع ذلك