فيما سبق محمد صلى الله عليه وسلم فوضع المظهر موضع المضمر للتنبيه على انه صاحبكم منذ أربعين سنة قبل ذلك لم يظهر منه الا وفور العقل وكماله فالحكم فيه بِمَجْنُونٍ ج مكابرة او جنون ففى هذا الكلام رد لقول الكفار افترى على الله كذبا أم به جنة.
وَلَقَدْ رَآهُ الضمير المرفوع راجع الى صاحبكم محمد صلى الله عليه وسلم بالاتفاق والضمير المنصوب اما راجع الى ذى العرش فعلى هذا قوله تعالى بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ج ظرف مستقر حال من الضمير المرفوع والمعنى انه راى محمد ذا العرش ليلة المعراج حال كون محمد بالأفق للعالم على منتهى السموات السبع قال البغوي روينا فى قصة المعراج عن شريك بن عبد الله عن انس قال دنى جبار رب العزة فتدلى كان حتى قاب قوسين او ادنى وهو رواية ابى سلمة عن ابن عباس وكذا قال الضحاك والقائلون بهذا القول اختلفوا فقال بعضهم جعل بصره فى فؤاده فراه بفؤاد استنباطا من قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما راى وهذا قول ابن عباس روى مسلم عن ابى العالية عنه ما كذب الفؤاد ما راى ولقد راه نزلة اخرى قال راه بفؤاده مرتين وذهب جماعة الى انه راه بعينه وهو قول انس والحسن وعكرمة قالوا راى محمد ربه وروى عكرمة عن ابن عباس قال ان الله اصطفى ابراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمد بالروية وعن ابى ذر قال سالت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هل رايت ربك قال نورانى راه رواه مسلم قلت ويحتمل ان يراد بالأفق المبين والأفق الأعلى منتهى درجات سير السالكين ان أقصى حقايق العابدية وهى الحقيقة الاحمدية المعبر فيها بالمحبوبية الصرفة وراء ذلك مرتبة اللائعين ولا مساغ للسير والسلوك فى مرتبة اللاتعين والسير فى تلك المرتبة العليا السير النظري فحسب كذا قال المجدد رض وقال الجمهور المفسرين الضمير المنصوب راجع الى رسول كريم والمراد بالرسول جبرئيل قال قتادة ومجاهد الأفق المبين هو الأفق الأعلى من ناحية المشرق روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبرئيل انى أحب ان أراك فى صورتك التي تكون فيها فى السماء قال لن تقوى على ذلك قال بلى قال فاين تشاء ان اتخيل لك قال بالأبطح قال لا يسعنى قال فى منى قال لا يسعنى قال فبعرفات قال لا يسعنى ذلك قال بحراء قال ان يسعنى قواعده فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - للوقت فاذا هو بجبرئيل قد اقبل من جبال عرفات بخشخشة وكلكلة قد ملأ ما بين المشرق والمغرب