للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على قوله وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ فينصر هؤلاء تارة وهؤلاء اخرى وَهُوَ الْعَزِيزُ ينتقم من عباده بتسليط غيرهم عليهم تارة الرَّحِيمُ ويرحمهم ويتفضل عليهم بتضرهم اخرى.

وَعْدَ اللَّهِ اى وعد الله وعدا مصدر مؤكد لنفسه لا ما قبله وهو قوله وهم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فى معنى الوعد لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ لامتناع الكذب عليه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعنى كفار مكة لا يَعْلَمُونَ وعده ولا صحة وعده لجهلهم وعدم تفكرهم.

يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعنى امور معاشهم كيف يكتسبون وكيف يتجرون وكيف يزرعون ونحو ذلك وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ التي هى المستقر ابدا هُمْ غافِلُونَ لا تخطر ببالهم هم الثانية تكرير للاولى او مبتدا وغافلون خبره والجملة خبر الاولى والرابطة إعادة لفظ المبتدا نحو الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وهو على الوجهين مناد على تمكن غفلتهم عن الاخرة وهذه الجملة محققة لمضمون الجملة السابقة بدل من قوله لا يَعْلَمُونَ تقريرا وتشبيها لهم بالحيوانات المقصور إدراكها من الدنيا ببعض ظاهرها دون العلم بجميعها فان من العلم بظاهر معرفة حقائقها وصفاتها وخصائصها وافعالها وأسبابها وكيفية صدورها منها وكيفية التصرف فيها ولذلك نكر ظاهرا واما باطنها انها مجاز الى الاخرة ووصلة الى نيلها وأنموذج لاحوالها واشعارا بانه لا فرق بين عدم العلم والعلم الذي يختص بظاهر الدنيا.

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا الهمزة للتوبيخ والواو للعطف على محذوف تقديره اقصروا نظرهم على ظاهر من الحيوة الدنيا ولم يتفكروا فِي أَنْفُسِهِمْ اى لم يحدثوا التفكر فيها حتى يظهر لهم بعض بواطنها او المعنى او لم يتفكروا فى امر أنفسهم فانها اقرب إليهم من غيرها وامراة يجتلى فيها للمستبصر ما يجتلى له فى الممكنات بأسرها فان الإنسان عالم صغير حتى يعلموا ويقولوا ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ اى ما خلقها باطلا عبثا بغير حكمة بالغة بل خلقها مقرونة مصحوبة بالحكمة وَأَجَلٍ مُسَمًّى يعنى ما خلقها للخلود بل لاجل معين ينتهى عنده وبعده قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب قال الله أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ يدل على ان تركهم غير راجعين عبث فمن تفكر فى نظام السموات والأرض

<<  <  ج: ص:  >  >>