وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) خطاب لموسى معطوف على الخطاب لبنى إسرائيل قد أنجيناكم إلخ ويا موسى أعجلك- قال البغوي اى ما حملك على العجلة عن قومك وذالك ان موسى اختار من قومه سبعين رجلا حتى يذهبوا معه الى الطور ليأخذ والتوراة فساء بهم ثم عجل موسى من بينهم شوقا الى ربه وخلف السبعين وأمرهم ان يتبعوه الى الجبل- فقال الله تعالى وما أعجلك عن قومك يموسى- قلت وهذا سوال تقرير كما يسئل المحبوب من المحب حين يراه في غاية المحبة والشوق كى يذكر شوقه- لكن فيه مظنة انكار بما فيه من ترك موافقة الرفقة- فاجاب موسى عن الامرين وقدم جواب الإنكار لكونه أهم.
قالَ موسى هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي يعنى ما قدمتهم الا بخطى يسيرة لا يعتد بها عادة وليس بينى وبينهم الا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم بعضا وَعَجِلْتُ معطوف على قوله هم أولاء او حال بتقدير قد إِلَيْكَ اى الى مقام كرامتك والمكان الّذي وعدتني لتجليّاتك علىّ وكلامك منى رَبِّ اى يا ربى لِتَرْضى (٨٣) قيل يعنى لان المسارعة الى امتثال أمرك والوفاء بعهدك أوجب لازدياد مرضاتك- قلت بل معنى لترضى- اى لغاية محبتك واشتعال الشوق الى لقائك واستماع كلامك كما هو مقتضى اقتراب وقت لقاء المحبوب وذلك الشوق والمحبة يقتضى مرضاتك «١» .
قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ والمراد بالفتن اما الابتلاء او الإضلال- يعنى ابتليناهم بإظهار العجل هل يعبدونه أم لا- او أضللناهم بعبادة العجل- فان قيل فانّا قد فتنّا مرتب على قوله عجلت إليك والتقدير إذا عجلت الىّ فانّا قد فتنّا قومك وهذا الكلام يقتضى كون العجلة سببا للفتنة إذا الفاء للسببية فما وجه هذه السببية- قلت لعل وجه ذلك ان الأنبياء عليهم السلام أرسلوا لهداية الخلق بوجهين ظاهرا بدعوتهم الى الإسلام وتعليمهم الاحكام- وباطنا بجذبهم الى الله عما سواه وفاضة نور الايمان والمعرفة في قلوبهم حتى ينشرح صدورهم للايمان ويروؤا لحق حقا والباطل باطلا ولا يتم ذلك الا عند كمال توجهم الى الخلق بشر أشرهم ولما كان عجلة موسى عليه السلام الى الله تعالى مبنيا على غلبة المحبة والشوق وسكر ذلك انقطع عند ذلك توجه باطنه عن الامة فحينئذ وقع امة في الفتنة والضلال- ومن هاهنا قال بعض الصوفية الولاية أفضل من النبوة وفسر بعضهم هذا القول بان ولاية النبي أفضل من نبوّته قالوا مقتضى لولاية الاستغراق والتوجه الى الله سبحانه ومقتضى النبوة التوجه الى الخلق والتحقيق ما حقق المجد وللالف الثاني رضى الله عنه ان النبوة هى الأفضل