للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم الملئكة وذلك ان النور الذي راه موسى كان فيه ملائكة لهم رجل بالتسبيح والتحميد والتقديس ومن حولها موسى لانه كان بالقرب منها وقيل من حولها عام شامل لكل من فى ذلك الوادي وحواليهما من ارض الشام الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء وتصدير الخطاب بذلك بشارة بانه قد قضى له امر عظيم ينتشر بركته فى أقطار الشام وعلى هذه التأويلات قوله تعالى وسبحن الله ربّ العلمين لدفع توهم التشبيه الناشي من سماع كلامه وللتعجيب من عظم ذلك الأمر.

يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الضمير الشأن اسم ان وانا الله خبرها او الضمير للمنادى اسمها وانا خبرها والله عطف بيان له والعزيز الحكيم صفتان له ممهدتان لما أراد ان يظهره يعنى انا القوىّ القادر على ما يبعد من الأوهام كتقليب العصا حيّة الفاعل لكل ما يفعله بحكمة وتدبير.

وَأَلْقِ عَصاكَ عطف على بورك داخل فى حيزان المفسرة يدل عليه قوله تعالى فى غير هذه السورة وان الق عصاك بعد قوله ان يا موسى انّى انا الله بتكرير ان والتقدير نودى هذا المقول وهذا المقول فهو من قبيل عطف المفرد على المفرد وليس من عطف الإنشاء على الخير فَلَمَّا رَآها اى راى موسى عصاه تَهْتَزُّ تتحرك بالاضطراب كَأَنَّها جَانٌّ اى حية خفيفة فى سرعة سيره وكثرة اضطرابه وَلَّى اى هرب موسى من الخوف مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ اى لم يرجع من عقّب المقاتل إذا كرّ بعد الفرار يا مُوسى لا تَخَفْ جملة النداء وما بعده فى محل النصب على تقدير القول يعنى قلنا يا موسى لا تخف من هذه الحية إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ يعنى لاجل قربهم بي واستقرارهم بحضرتي الْمُرْسَلُونَ الجملة فى مقام التعليل لعدم الخوف يعنى الذين يبلغون رسالاتى فانهم يخشوننى وحدي ولا يخشون أحدا غيرى فلا منافاة بين هذه الاية وبين قوله عليه السلام انا أخشاكم بالله او المعنى لا يخافون مطلقا عند نزول الوحى لفرط الاستغراق او المعنى انهم لا يكون لهم سوء عاقبة فيخافون.

إِلَّا مَنْ ظَلَمَ قيل هذا استثناء متصل وفيه اشارة الى موسى حيث قتل القبطي والمعنى لا يخيف الله أنبياءه من أحد غيره الا بذنب أصابه أحدهم والمراد بالظلم الذنب الصغيرة او ترك الأفضل وعلى هذا قوله ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ يعنى توبة بعد ذنب عطف على ظلم داخل فى الصلة وانما قيد بهذا إيذانا بانه لا يحوز صدور ذنب من الأنبياء وان كانت صغيرة او قبل النبوة الا مستعقبا للتوبة فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ معطوف على بدل تقديره فانى اغفر له وارحمه وقيل قوله ثم بدل الى آخره كلام مبتدا معطوف على محذوف بيان لحال من ظلم من الناس كافة تقديره فمن ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فانّى غفور رّحيم. وقيل الاستثناء منقطع لان المرسلين

<<  <  ج: ص:  >  >>