حجة قاطعة على نبوته صلى الله عليه وسلم وكون تلك الكلمة مجمعا عليها الكتب والرسل فظهر ان قولهم بان عزيرا ابن الله وعيسى ابن الله انما كان بناء على آرائهم الفاسدة والتقليد دون الاستناد الى الكتب ومن ثم احتجوا على النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم هل رايت إنسانا من غيراب- قال البيضاوي انظر الى ما روعى فى هذه القصة من المبالغة فى الإرشاد وحسن التدرّج فى الحجاج بيّن اولا احوال عيسى وما تعاور عليه من الأطوار المنافية للالوهية ثم ذكر ما يحل عقدتهم ويزيح شبهتهم بقوله مثل عيسى عند الله كمثل آدم فلما راى عنادهم ولجاجهم دعاهم الى المباهلة بنوع من الاعجاز ثم لما راى انهم اعرضوا عنها وانقادوا بعض الانقياد عاد عليهم بالإرشاد وسلك طريقا أسهل والزم بان دعاهم الى ما وافق عليه عيسى والإنجيل وسائر الأنبياء والكتب ثم لما لم يجد ذلك ايضا عليهم وعلم ان الآيات والنذر لا يغنى عنهم اعرض عن ذلك وقال اشهدوا بانّا مسلمون والله اعلم- روى ابن إسحاق بسنده المتكرر عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أجمعت نصارى نجران وأحبار اليهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الأحبار ما كان ابراهيم الا يهوديا وقالت النصارى ما كان الا نصرانيا فانزل الله تعالى.
يا أَهْلَ الْكِتابِ الخطاب يعم الفريقين لِمَ تُحَاجُّونَ تختصمون فِي دين إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ فحدث دين اليهود وَما أنزلت الْإِنْجِيلُ فحدث دين النصارى إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ اى بعد ابراهيم بزمان طويل كان بين ابراهيم وموسى الف سنة وبين موسى وعيسى وهو اخر أنبياء بنى إسرائيل الفا سنة أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٥) بطلان قولكم لعلهم كانوا يدعون ان ابراهيم فى فروع الأعمال كان عاملا باحكام التورية او الإنجيل بل ما اخترعه الفريقان بعد موت موسى ورفع عيسى وتحريفهم الكتابين وهذا هو محل النزاع بين الفريقين وظاهر البطلان فان فروع الأعمال ينسخ فى الشرائع بعد مضى الدهور على ما هو عادة الله تعالى نظرا الى مصالح كل عصر فكيف يكون دين ابراهيم اليهودية او النصرانية- واما فى اصول الدين وما لا يحتمل النسخ من الفروع كحرمة العبادة لغير الله تعالى والكذب والظلم فالشرائع والملل الحقة كلها متفقة عليها لا يحتمل فيها الاختلاف والله اعلم.