لا فى الدنيا ولا فى الاخرة فروية القلب سواء كانت بتوسط البصر او بلا توسط قد يعتبر به الغلط بتخليط الوهم او تلبيس الشيطان او زيغ البصر وطغيانه عما يراه واما دركه البسيط فلا يعتبر به شىء من ذلك ويتفرع عليه الاطمينان بالحق وتصديقه والإباء عن الباطل وتكذيبه والله تعالى اعلم بحقيقة الحال.
أَفَتُمارُونَهُ معطوف على محذوف قرأ حمزة والكسائي أفتمارونه على وزن تدعونه بمعنى تغلبونه فى المرأ يقال ماريته فمريته بمعنى حادلته فغلبته وعلى هذا التقدير الكلام أتمارونه فتمرونه عَلى ما يَرى عدى بعلى لان الفعل بمعنى الغلبة وقيل تمرون تجحدون يقال مريت الرجل حقه يعنى جحدته والمعنى أتجادلون محمدا فتحجدون صدقه على ما يرى والتعدية بعلى حينئذ ايضا لتضمن الفعل مع الغلبة فان المجادل والجاحد يقصدان يفعلهما للغلبة على الخصم وقرأ جمهور القراء أفتمارونه من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مرى الناقة اى استخرج لبنها فان كلا من المتجادلين بمرى ما عند صاحبه يستخرجه وتقدير الكلام حينئذ تنكرون قول محمد فتمارونه عن ما يرى والاستفهام للتوبيخ والإنكار يعنى لا ينبغى....... الإنكار والجدال فيما يدعى محمد - صلى الله عليه وسلم - رويته وأورد صيغة المضارع استحضارا للحال الماضي وحكاية عنه وجاز ان يراد به التوبيخ على انكار كل ما أراه محمد - صلى الله عليه وسلم - فى الحال او الاستقبال-.
وَلَقَدْ رَآهُ يعنى والله لقد راى محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه جل وعلا او جبرئيل على صورته التي خلق عليها على اختلاف القولين المذكورين نَزْلَةً فعلة من النزول كجلسة من الجلوس منصوب على الظرفية من راه تقديره وقت نزلة اخرى او على المصدرية تقديره نازلا نزلة اخرى وفى إيراد نزلة اشعار بان الروية فى هذه المرة كانت ايضا بالنزول والدنو فان روية البشر الممكن الواجب جل سلطانه انما يتصور إذا كان البشر الرائي فى الأفق الأعلى والدرجة الانس من درجات الإمكان والله تعالى يتنزل من مراتب التنزيه الى نوع من درجات التشبيه فيرى من وراء حجب الظلال او الصفات ولا يذهب عليك من مقالتى هذا حدوث امر فى جانبه تعالى ذلك علوا كبيرا بل النزول والعروج كلها فى مرتبة العلم يظهر بحدوث صفاء فى مراة قلب المتجلى له وقد مر البحث عن مثله فى سورة البقر فى تفسير قوله تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ أُخْرى هذا يدل على تعدد الروية ولا يدل على الانحصار فى المرتين فما روى عن ابن عباس وكعب الأحبار انه راى ربه مرتين محمول على بيان ادنى ما يتصور فيه التعدد وهذه الاية حكاية عن روية النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه ليلة المعراج.