الله سبحانه أسند الخضر هاهنا الارادة الى نفسه وايضا الى الله تعالى حيث قال بصيغة الجمع أردنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما لان التبديل باهلاك الغلام وإيجاد الله بدله- والإهلاك وجد بكسب الخضر والإيجاد بخالص صنعه تعالى افصح الإسنادان قرأ ابو جعفر ونافع وابو عمرو بالتشديد من التفعيل والباقون بالتخفيف من الافعال ومعناهما واحد- قال البغوي وفرق بعضهم بان التبديل تغيير شيء او تغيير حاله وعين الشيء قائم والابدال دفع شيء ووضع شيء اخر مكانه. قلت وهذا الفرق ليس بشيء إذ لو كان كذلك لما يتصور الجمع بين القرائتين مع كونهما متواترتين بل المراد ان يرزقها ربهما بدله ولدا خَيْراً مِنْهُ زَكاةً اى طهارة من الذنوب والأخلاق الردية وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) قرأ ابن عامر وابو جعفر ويعقوب بضم الحاء الباقون بإسكانها- اى اقرب رحمة وعطفا على والديه وقيل هو من الرحم والقرابة قال قتادة اى أوصل للرحم وابو بوالديه وانتصاب زكوة ورحما على التمييز والعامل اسم التفضيل وهو خير وأقرب- قال البغوي قال الكلبي أبدلهما الله به جارية فتزوجها نبى من الأنبياء فولدت له نبيا فهدى الله على يديه امة من الأمم وعن جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال أبدلهما جارية ولدت سبعين نبيا وقال ابن جريج أبدلهما بغلام مسلم- واخرج ابن ابى شبية وابن المنذر وابن ابى حاتم عن عطيّة بلفظ فابدلا جارية ولدت نبيا- واخرج ابن المنذر عن ابن عباس مثله واخرج ابن المنذر من طريق بسطلم بن جميل عن يوسف بن عمر قال أبدلهما الله مكان الغلام جارية ولدت نبيين- وأخرجه «١» البخاري في تاريخه والترمذي والحاكم وصححه من حديث ابى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مطرف فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتلى ولو بقي لكان فيه هلاكهما فليرض امرؤ بقضاء الله تعالى فان قضاء الله المؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب قلت بل فيما يحب العبد او يكره لا بد له ان يخاف مكر الله ويستعيذ منه ويرجو رحمة الله ويطلبه منه ويرضى بقضاء الله ولا يعترض عليه-.
وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ قال البغوي كان اسمهما اصرم وصويم وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما من مال كذا قال عكرمة واخرج البخاري في تاريخه والترمذي والحاكم وصححه من حديث ابى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال كان ذهبا وفضة واخرج الطبراني عن ابى الدرداء في هذه الاية قال أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم وأحلت لنا الغمائم وحرمت علينا الكنوز- قلت لعل معنى حرمت علينا الكنوز ان نكنز الذهب والفضة ولا نؤدى زكوتها فذلك حرام علينا لقوله تعالى وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ
(١) وفي الأصل وأخرجه في تاريخه «ابو محمد عفى عنه» -