بالصبر على هجر الوطن والأهل والمال والجرأة على اظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار- وذلك بفناء القلب حتى تمكن فيه حب الله وهيبة وخشيته وتخلى عن ملاحظة غيره من الخلائق فصار الناس عنده كالاباعر إِذْ قامُوا بين يدى دقيانوس حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام فَقالُوا مفتخرين رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً اى إذا أشركنا بالله الها اخر شَطَطاً (١٤) اى قولا ذا شطط اى تجاوز عن القدر والحد وتباعد عن الحق مفرط فى الظلم من شط يشط إذا بعد.
هؤُلاءِ مبتدأ قَوْمُنَا عطف بيان له اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ اى من دون الله آلِهَةً يعنى الأصنام يعبدونها والجملة خبر للمبتدا اخبار فى معنى الإنكار لَوْلا هلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ اى على عبادتهم فحذف المضاف بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ اى ببرهان ظاهر فان الدين لا يؤخذ الا بالبرهان والظن والتقليد لا يجوز اتباعه فى العقائد- وفيه تبكيت فان اقامة البرهان على عبادة الأوثان محال فَمَنْ اى لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥) وزعم ان له شريكا وولدا فان الافتراء على كل أحد ظلم فكيف على الله تعالى- ثم قال بعضهم لبعض حين تصمموا على الفرار بدينهم.
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ يعنى قومكم وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ عطف على الضمير المنصوب اى إذ اعتزلتم القوم ومعبوديهم الا الله فانهم كانوا يعبدون الله والأصنام كسائر المشركين ويجوز ان يكون ما مصدرية يعنى وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم الا عبادة الله ويجوز ان يكون نافية على انه اخبار من الله عن الفتية بالتوحيد معترض بين إذا وجوابه لتحقيق اعتزالهم فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ اى صيروا اليه واتخذوه مسكنا كيلا يجاوركم الكفار يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ اى ليبسط لكم الرزق ويوسع عليكم فى الدارين مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦) بكسر الميم وفتح الفاء اسم فمعز الدولة- اى ما يرتفق اى ينتفع به جزموا بذلك لقوة وثوقهم بفضل الله- وقرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر مرفقا بفتح الميم وكسر الفاء وهو مصدر من الأوزان الشاذة كالمرجع والمحيض وقياسه فتح العين.
وَتَرَى الشَّمْسَ لو رايتهم الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم او لكل أحد إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ قرأ ابن عامر ويعقوب تزورّ بإسكان الزاء المنقوطة وتشديد