قالوا ان نوحا عليه السلام لم يبلغ فى النزول غاية ولذلك ما أمن معه الا قليل وهم اصحاب السفينة مع لبثه فيهم الف سنة الا خمسين عاما وان محمدا صلى الله عليه وسلم كان نزوله أتم واوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء ولذلك شاع دينه فى الورى مع لبثه فيهم ثلثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى فكان قاب قوسين او ادنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بما كان من القران ولاجل كمال نزول كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دايم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم ما أوذي أحد مثل ما أوذيت رواه ابن عدى وابن عساكر عن جابر وابو نعيم فى الحلية عن انس ولولا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد أوذي نوح عليه السلام الف سنة الا خمسين عاما وأوذي عيسى ع حتى ارتقى الى السماء ويحيى وغيرهم حتى قتلوا فى البلاء فلعل نزول هاتين السورتين اعنى والضحى والم نشرح كان لتسلية النبي - صلى الله عليه وسلم - فى حالة النزول فى بدو امره حين راى نفسه فى بادى النظر منقطعا عن الله متوجها الى الخلق ووافق ذلك فترة الوحى وحزن حزنا شديدا حتى قال فى صحيح البخاري بلغنا انه غدا مرارا كى يتردى من رؤس شواهق الجبل وكلما او فى بذروة الجبل لكى
يلقى نفسه منه ينادى جبرئيل فقال يا محمد انك رسول الله حقا فيسكن لذلك جاشه تقر نفسه وقالت خديجة انى ارى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سوال النبي صلى الله عليه وسلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوجه الى الخلق التي زعمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله ما ودعك ربك وما قلى انه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وان كان هبوطا وفراقا صورة وللاخرة خير لك من الاولى يعنى كل حالة آخرة تأتى عليك خير من الحالة الاولى لا يتطرق فى أحوالك قصور وفتور قط حتى تكون فى الدار الاخرة روية ووصالا بالكلية ولا يكون هناك تكليف التبليغ والتوجه الى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وأجلا ما تحب وترضى ألم يجدك يتيما فاوى.
وَوَجَدَكَ عطف على معنى الم يجدك يتيما فان معناه وجدك فهو عطف الخبر على الخبر دون الإنشاء ضَالًّا عن معالم النبوة واحكام الشريعة غافلا