وجذب الله العبد الى جنابه سبب للمحبة من العبد لله تعالى فمحبة العبد لله تعالى فرع لمحبة الله تعالى إياه وظل لها قال الله تعالى وألقيت عليك محبّة منّى وقال يحبّهم ويحبّونه قدم يحبهم على يحبونه هذا ما ذكرت هو المحبة الذاتية وما ذكر البيضاوي ان المحبة ميل النفس الى الشيء لكمال أدرك فيه بحيث يحمله على ما يقربه اليه فهو بيان للمحبة الصفاتية وهى بمراحل عن المحبة الذاتية الا ترى ان الام يحب ولدها بلا ملاحظة كمال فيه فذلك قريب من المحبة الذاتية وليست منها لان محبة الام تتفرع على علم انتساب الولد إليها واما محبة الله تعالى فهى اعزوا على من ذلك فقد ورد فى الصحيحين وغيرهما عن ابى هريرة وابن عباس وغيرهما مرفوعا بألفاظ مختلفة ان لله تبارك وتعالى مائة رحمة منها رحمة واحدة قسّمها بين الخلائق يتراحمون بها وادخر لاوليائه تسعة وتسعين- واما ما ذكر البغوي ان حب المؤمنين لله تعالى اتباعهم امره وإيثار طاعته وابتغاء مرضاته وحب الله المؤمنين ثناؤه عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم فليس هذا تعريفا للمحبة بل بيان لمقتضاه وما يدل عليه فَاتَّبِعُونِي الفاء للسببية وذلك لان المحبة سبب لابتغاء مرضات الله تعالى- والمرضى من غير المرضى لا يدرك بالرأى بل بتعليم الله تعالى بتوسط الرسل فثبت ان المحبة سبب لاتباع الرسل والاتباع دليل على وجودها وعدمه دليل على عدمها فمن ادعى المحبة مع مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كذاب يكذبه كتاب الله تعالى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ جواب للامر تقديره ان تتبعونى يحببكم الله- فان قيل مقتضى هذه الاية ان محبة الله تعالى العبد يتفرع على اتباع الرسول المتفرع على محبة من العبد لله تعالى المسبوق بمحبة من الله للعبد فيلزم الدور- قلنا هذه محبة اخرى من الله تعالى سوى المحبة السابقة فمحبة العبد لله تعالى محفوف بمحبتين من الله سبحانه سابق ولاحق فالمحبة السابقة ما ذكرناه سابقا والمحبة اللاحقة هى التي تقتضى الرحمة والتفضل الكامل الذي ورد فى الحديث ان جزءا واحدا منها اى من الرحمة قسمها الله بين الخلائق وادخر لاوليائه تسعة وتسعين- ولاقتضاء تلك المحبة اللاحقة من الله تعالى المغفرة والرحمة عطف عليه قوله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قال البغوي لما نزلت هذه الاية قال عبد الله بن ابى لاصحابه ان محمدا يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا ان نحبه كما أحبت النصارى عيسى بن مريم فنزل.