جسد بنى آدم لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله الا وهى القلب رواه البخاري- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها- وامتثال التكليفات الشرعية سبب لتزكيتها فان كان المراد بالامانة التكليفات الشرعية فقوله إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا اشارة الى علة تحميل الإنسان وتحمله تلك الامانة فالمعنى إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا ولاجل ذلك عرضنا عليه الامانة وتحمله آدم عليه السّلام حتى يتزكى بها عن امر زائل ويستعد للفضائل ويكون محمودا فى الدارين وان كان المراد بالامانة التجليات الذاتية فهو اشارة الى انه كان أهلا لتلك الامانة دون غيره لان تلك الامانة لا يتصور حملها الا من كان جامعا لتلك الصفتين كما ذكرنا وغيرهما من الحواس والقوى.
وعلى كلا التقديرين لمّا كانت الصفتان المذكورتان على تقدير عدم التزكية والخذلان من الله تعالى وكونهما مصروفتين فى الباطل موجبتين للعذاب وعلى تقدير التزكية والتأييد من الله وكونهما مصروفتين فى الحق موجبتين للرحمة والثواب حسن تعليل حمل الامانة وعرضها الذي هو مقتضى تلك الصفتين المركبتين فى الطبيعة الانسانية بقوله تعالى.
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ اللام للعاقبة كما فى قوله لدوا للموت وابنوا للخراب الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ المضيعين للامانة والمنهمكين فى الظلم واللذات وَيَتُوبَ اللَّهُ اى يرجع بالرحمة والمغفرة والجدب والاجتباء وإعطاء مراتب القرب عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ المؤدين للامانات المستغرقين فى التجليات- قال ابن قتيبة اى عرضنا الامانة يعنى التكليفات الشرعية او الاستعداد المودع ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهم الله ويظهر ايمان المؤمن (قلت وعرفان العارف) فيتوب عليه بالرحمة والمغفرة ان حصل منه تقصير فى بعض الطاعات قلت وبالتجليات الذاتية الدائمة والوصل بلا كيف من غير حجاب وذكر التوبة فى الوعد اشعار بان كونهم ظلوما جهولا فى جبلتهم فلا يخلوا عن فرطات وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً للمؤمنين حيث تاب على فرطا بقم رَحِيماً (٧٣) بهم حيث أثابهم على طاعاتهم تفضلا وأفاض عليهم تجلياته وبركاته.
تم تفسير سورة الأحزاب (ويتلوه سورة سبا ان شاء الله تعالى) غرة شهر المحرم من السنة السابعة بعد الف ومائتين سنة ١٢٠٧ هـ وصلى الله على محمّد واله وأصحابه.