ونفى الدرك لا يستلزم نفى الروية قال الله تعالى فلما تراء الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون قال كلا ان معى ربى وايضا مفهوم الاية سلب عموم الدرك لا عموم سلب الدرك واما قوله ما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا او من وراء حجاب ترديد بين الوحى من وراء الحجاب والوحى بلا حجاب فلا استدلال به والله تعالى اعلم وروى مسلم عن ابى ذر قال سالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل رأيت ربك قال نورانى أراه انى بفتح الهمزة للاستفهام يعنى كيف أراه وفى بعض الروايات نورانى منسوب الى النور أراه فعلى الرواية الثانية يثبت الروية وعلى الرواية الاولى ليس الحديث صريحا فى نفى الروية مطلقا قلت وبعد ثبوت روية - صلى الله عليه وسلم - ربه بالعين كما يدل عليه حديث ابن عباس وكعب ايضا ان المراد بالروية فى الاية الروية القلبية فانها هى المتصورة عند كل وحي يوحى اليه دون الروية البصرية فانها مختصة بليلة المعراج قرأ ابو جعفر وهشام عن ابى عباس كذب بتشديد الذال من التكذيب يعنى ما كذب قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - ما راى بعينه او بقلبه بل صدقه وايقنه وهو حققه فان الأمور القدسية تدرك او لا بالقلب ثم ينتقل منه الى البصر والبصيرة فان ابصر مثل ما أدرك بالقلب وان قصر بصره او بصيرته عما أدركه القلب وراى بخلافه كذبه وهذا هو المصداق الفارق بين العلوم الحقة الفائضة من الرحمن وبين الخيالات الوهمية وملتبسات الشيطانية فان الصوفي قد يلتبس عنده العلوم والإلهامات والمكاشفات القدسية المفاضة عليه من الله سبحانه بما يتخيله الوهم والخيال وبما القى
الشيطان فى أمنيته والفارق بينهما ان يرجع الصوفي الى قلبه فان صدقه قلبه واطمأن به ورأى فى قلبه منه برد اليقين علم انه من الله سبحانه وان كذبه قلبه واضطرب عنده وابى عرف انه من النفس او الشيطان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءك فى صدرك شىء فدعه رواه احمد عن ابى امامة او قال عليه السلام استفت قلبك وان أفتاك المفتون وقرأ الجمهور بتخفيف الذال والكذب يجىء متعديا بمعنى كذب له ومجازه ما كذب الفؤاد لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فيما راى يعنى أخبره على ما فى نفس الأمر فان قيل هذه الاية يقتضى ان تصديق القلب يغاير روية القلب قلنا نعم وتحقيق المقام ان قلب المؤمن يدرك الله سبحانه وصفاته يمعية ذاتية غير متكيفة مترتبة على محبة ذاتية غير متكيفة ولا يراه بل روية مقتصرة على مراتب الظلال بل القلب لا يرى شيئا من ذوات الممكنات ايضا فان حصول الأشياء فى الأذهان انما هى باشباهها وظلالها لا بانفسها وما يرى ذات شىء مما يراه الا يتوسط الباصرة فروية الله سبحانه تيسير للمومنين فى الاخرة بتوسط الحاسة لا فى الدنيا الا ما ذكرنا من الخلاف فى حق النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ودركه تعالى مختص بالقلوب دون الابصار فانه تعالى لا تدركه الابصار