للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم القيامة عبد كان فى الدنيا أعمى أصم ابكم كذلك لم يسمع شيئا قط ولم يبصر شيئا قط ولم يتكلم شيئا- فيقول الله تعالى ما عملت فيما وليت وفيما أمرت به فيقول اى رب والله ما جعلت لى بصرا ابصر به الناس فاقتدى بهم- وما جعلت لى سمعا فاسمع به ما أمرت به ونهيت عنه- وما جعلت لى لسانا فاتكلم بخير او بشر- وما كنت الا كالخشبة فيقول الله عز وجل تطيعنى الان فيما أمرك به قال نعم فيقول قع فى النار فيأبى فيدفع فيها- قلت على ما قالت الحنفية ان المشرك يعذب ان كان عاقلا قبل ان تبلغه الدعوة كما يدل عليه قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فانه يعم اصحاب الفترة- تحمل هذه الأحاديث على ان بعض المشركين من اهل الفترة لعلّهم يجادلون الله تعالى ويعتذرون بالجهل فيلزمهم الله تعالى الحجة بالامتحان- كما ان المشركين لما ينكرون شركهم ويقولون وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ويطلبون على أنفسهم شهودا- فحينئذ يشهد عليهم جوارحهم فيلزمهم الحجة ولله الحجة البالغة- لا ينصب نفسا شاء ان يعذبها الا عذبها- وهو عادل فيه هذا فى التوحيد- واما سائر الشرائع فالعقل غير كاف فى إدراكها- فلا تجب على الإنسان إتيانها قبل البعثة- لقوله تعالى ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ- وبناء على مذهب الحنفية قال صاحب المدارك فى تفسير هذه الاية ما صح منا ان نعذب قوما عذاب استيصال فى الدنيا الا بعد ان نبعث إليهم رسولا فنلزمهم الحجة- قلت وهذا التأويل بعيد جدّا- لان قوله تعالى ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ يدل على عموم نفى التعذيب لوقوع النكرة فى سياق النفي- ولا وجه للتخصيص بالتعذيب فى الدنيا ولا بتعذيب الاستيصال- كيف وعدم التعذيب فى الدنيا من غير إتمام الحجة يقتضى عدم التعذيب فى الاخرة بالطريق الاولى- فالاولى ان يقال ان عدم التعذيب قبل البعثة مخصوص بالمعاصي دون الشرك حيث قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فالتقدير ما كنّا معذّبين على المعاصي حتّى نبعث رسولا يبين لهم ما يتقون- وقيل المراد بالرسول أعم من البشر والعقل فان العقل ايضا رسول من الله يدرك به الخير والشر- فما يدركه العقل ويكفى فى إدراكه من الواجبات يعذب الله العاقل عليها على عدم إتيانها-

<<  <  ج: ص:  >  >>