الأنبياء على تلك الصورة الا محمد - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى ثُمَّ دَنا يعنى جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فتدلى فنزل الى محمد - صلى الله عليه وسلم - لما خرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغشيا عليه فكان منه قاب قوسين او ادنى يعنى بل ادنى والقوس ما يرمى به فى قول مجاهد وعكرمة وعطاء عن ابن عباس فاخبر انه كان بين جبرئيل وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - مقدار قوسين قال معناه حيث الوتر من القوس وقال ابن مسعود قاب قوسين قدر ذرا عين وهو قول سعيد بن جبير وشفيق بن سلمة والقوس الذراع يقاس بها كل شىء كذا روى البخاري فى تاويل الاية عن عائشة رض وقال البغوي وبه قال ابن عباس والحسن وقتادة قيل فى الكلام تقديم وتأخير تقديره ثم تدلى فدنى لان التدلي سبب الدنو والظاهر ان الدنو أعم مطلقا عن التدلي فان الدنو لا يقتضى وصول الشيء الى منتهى مسافة يريد قطعها الى تحت بخلاف التدلي فانه ماخوذ من الدلو فان التدلي وصول الدلو الى قعر البير وايضا يعتبر فى التدلي الوصول الى المنتهى مع بقاء تعلقه بالمبدأ يتال ادلى رجله من السرير وادلى دلوه والدوالي للثمر المعلق فاوحى جبرئيل الى عبده يعنى عبد الله وما اوحى الله اليه وهذا التأويل يأباه العربية والمعقول بوجوه أحدها ان قصة جبرئيل هذه حكاية حال والكلام فى ان القران ليس شيأ منها مما نطقه محمد - صلى الله عليه وسلم - من تلقاء نفسه بل كله مما اوحى اليه من ربه وجملة شديد القوى مع ما عطف عليه من قوله فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى حال من الضمير المستكن فى قوله الا وحي يوحى وزمان الحال يتحد مع زمان صاحبه فمقتضى الكلام وقوع تلك القصة فى كل مرة اوحى اليه شىء من القران والا لا يجوز وقوعه حالا او لا يجوز القول بان القران كله كذلك ثانيها انه يلزم حينئذ انتشار الضمائر فى قوله تعالى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
ورجوع ضمير عبده الى الله سبحانه قرينة لكونه ضميرا وحي راجعا الى الله تعالى ثالثها ان الدنو او التدلي من جبرئيل عليه السلام وكونه قاب قوسين او ادنى ليس كما لا للنبى - صلى الله عليه وسلم - فان النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أفضل من جبرئيل عليه السلام قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزير اى فى السماء جبرئيل وميكائيل ووجه القول بالتأويل الثاني انما هو استبعاد الاستواء والدنو والتدلي الى الله تعالى ولما كان القران ناطقا بان منه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات فلا وجه للقول بهذا التأويل البعيد والاستواء والدنو والتدلي وكونه قاب قوسين او ادنى بلا كيف على ما يليق بالتنزيه مشهود لارباب القلوب كمشاهدة القمر ليلة البدر فالاوجه فى القول ما قالوا والله تعالى اعلم قال سعيد بن جبير فى قوله تعالى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
انه اوحى اليه أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى الى قوله ورفعنا لك ذكرك