للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

افترض عليهم. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثمًا أن يُضيِّع من يَقُوتُ" (١). وقال: "خيرُ الصدقةِ ما كان عن ظهرِ غِنًى، وابدأْ بمن تَعُول" (٢). وقال أيضًا: "يا ابنَ آدمَ، إنك إن تُنفِقِ الفضلَ خيرٌ لك، وإن تُمسِكِ الفضلَ شرٌّ لك، ولا تُلامُ على كَفافٍ" (٣). و "اليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى، وابدأْ بمن تَعُول" (٤). وكلُّ هذه الأحاديث في الصحاح. وقال: "دينارٌ أنفقتَه في سبيل الله، ودينارٌ أعطيتَه لمسكينٍ، ودينارٌ أنفقتَه على أهلِك، أعظمها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلك" (٥). وهذا حديث ثابتٌ أيضًا.

ولكن أكثر الناس يفعلون ذلك طبعًا وعادةً لا يبتغون به وجهَ الله تعالى، كما يفعلون في قضاء الديون من أثمان المبيعاتِ والقروضِ وغيرِ ذلك من المعاوضات والحقوق، وهذه كلها واجبات، فمن فعلها ابتغاءَ وجهِ الله كان له عليها من الأجر أعظمُ من أجرِ المتصدِّق نافلةً. لكن يتصدَّقُ أحدُهم بالشيء اليسير على المسكينِ وابنِ السبيل ونحوِ ذلك لوجهِ الله تعالى، فيجدُ طعمَ الإيمانِ والعبادةِ لله، ويُعطِي في هذه ألوفًا فلا يجِدُ في ذلك طعمَ الإيمانِ والعبادة، لأنه لم يُنفِقه ابتغاءَ وجهِ الله.

فمن هذا الوجه صار في عُرْفِهم أن هذه النفقات التي لا بُدَّ منها ليستْ عبادةً، وقد لا يَستشعرون إيجابَ الشارع لها، وإنما يَستشعر


(١) أخرجه أحمد (٢/ ١٦١، ١٩٣، ١٩٥) وأبو داود (١٦٩٢) عن عبد الله بن عمرو. وإسناده حسن.
(٢) أخرجه البخاري (١٤٢٦) عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه مسلم (١٠٣٦) عن أبي أمامة.
(٤) أخرجه البخاري (١٤٢٧) ومسلم (١٠٣٤) عن حكيم بن حزام.
(٥) أخرجه مسلم (٩٩٥) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>