للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد/ ٢٣]. وقد ذمَّ الله الفرحَ بغير الحق، وأمرَ بالفرح بالإيمان، ونهى عن الحزن الذي يضرُّ، وذلك أصلُ الضحك والبكاء، فقال: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس/ ٥٨]، وقال: {ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر/ ٧٥]، وقال: {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص/ ٧٦]، وقال: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} [آل عمران/ ١٣٩]، وقال: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [النمل/ ٧٠]، وقال: {وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} [يونس/ ٦٥]. فنهى عن الحزن الذي يضر، كالحزن على الكفار المكذِّبين، والحزن إذا غُلِبَ المسلمون أو خافوا من عدوّهم والحزن من قولهم، فإنّ هذا الموطن يُؤْمَر فيه بالثبات والقوة والقيام بالواجب من التبليغ والجهاد، والحزنُ يُضعِف عن هذا الواجب، وما أفضَى إلى تركِ واجبٍ نُهِيَ عنه، وكذلك ما يَشغَلُ عن المستحبّ لم يكن حسنًا.

وأما الحزن على الميت ونحوه فيُرخَّص منه في الحزن الذي لا معصيةَ فيه وفي الدمع، كما يُستحبُّ فيه رحمةُ الميت، إذ ليس في ذلك تركُ واجبٍ ولا تعدِّي حدٍّ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يُؤاخِذ على دَمْع العينِ ولا حُزْنِ القلب" (١)، وهذا هو الذي لا يملِكُه العبدُ، بل يكون بغير اختياره على سببٍ غيرِ محرَّم، فلهذا لم يؤاخِذ الله عليه، كما قال: "ما كان من العين والقلب فمن الله، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان" (٢). فالذي يخلقه الله وليس من مقدور العبدِ عفَا عنه، وهو


(١) أخرجه البخاري (١٣٠٤) ومسلم (٩٢٤) عن ابن عمر.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده (١/ ٢٣٨، ٣٣٥) عن ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>