للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي يجب القول به من احتجاج ابن عباس، وهو قوله: "إن الله أضحك وأبكى"، فهذا هو من الله، وأما ما كان من اليد واللسان فذلك مما يأمر به الشيطانُ فيدخل تحتَ العقاب، وإن كان الله هو خالق كلِّ شيء. ولولا هذا لم تُعذّب نائحة، والنصوص كلُّها تخالف ذلك، كما تقدم في الحديث، وكقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لَطَمَ الخدود وشقَّ الجيوبَ ودَعا بدعوى الجاهلية" (١). وقال أبو موسى: أنا بريءٌ ممن بَرِئ منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، بَرِئَ من الصَّالقةِ والحالقةِ والشَّاقَّةِ (٢). وكلاهما في الصحيحين.

وقال الله تعالى: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة/ ١٢]، وهي النياحة، كما جاءت مفسَّرةً، وهي ممّا أخذه النبي صلى الله عليه وسلم على النساء في البيعة، كما في الصحيح (٣) عن أم عطيةَ قالت: أخذَ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا ننوحَ، فما وَفَتْ منا امرأةٌ غير خمسِ نسوةٍ.

ولهذا كانت النياحةُ محرمةً على القولِ الصحيح الذي عليه جماهيرُ العلماء، وهو المنصوصُ عن أحمد وغيرِه، وإن كان بعض أصحابه وبعض الناس جعلَ فيه تفصيلًا كالغناء عنده، فليس كذلك، بل جنس النياحة أعظم من جنس الغناء للنساء، ولهذا كان الضربُ بالدفّ في الجنازة منكرًا بلا ريبٍ، حتَّى نصَّ أحمد على وجوبِ إزالتِه في ذلك بتخريقٍ أو غيرِه، وإن كان النساء يُرخَّصُ لهنَّ في الضرب بالدفِّ في الأفراح، والنساء قد رُخِّصَ لهنَّ في الغناء في مواضع، ولم يُرخَّصْ في


(١) أخرجه البخاري (١٢٩٤، ١٢٩٧) ومسلم (١٠٣) عن ابن مسعود.
(٢) أخرجه البخاري (١٢٩٦) ومسلم (١٠٤).
(٣) البخاري (١٣٠٦) ومسلم (٩٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>