للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى حركة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين إلى البيت ظنّ أن الوعد ينجز بهم في ذلك العام، ولم يكن ذلك في ظاهر لفظ الوعد.

وكذلك لما قال له عمر (١): كيف تُقاتلُ الناسَ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْت أن أقاتلَ الناسَ حتى يَقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالَهم إلّا بحقّها، وحسابُهم على الله تعالى"؟ فقال له أبو بكر: ألم يقلْ "إلا بحقّها؟ " فإن الزكاة من حقِّها، والله لو منعوني عَناقًا كانوا يُؤدُّونها إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتُهم على منعها. قال عمر: فما هو إلا أن رأيتُ أن الله قد شرحَ صدرَ أبي بكرٍ للقتال، فعلمتُ أنه الحق.

وهذا المعنى الذي ذكره أبو بكر هو مصرَّحٌ به في الحديث الآخر الذي في الصحيحين (٢) من رواية ابن عمر: "حتى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأن محمدًا رسول الله، ويُقيموا الصلاةَ ويُؤتوا الزكاة". فذاك الحديث إن جُعِل معارضًا لهذا فقد بيَّن به أبو بكر عدمَ المعارضة، وبيَّن أن الحجة فيه أيضًا بقوله "إلا بحقّها"، أي لا تَحِلُّ دماؤهم وأموالُهم إلّا بحقّها، أي لا تُباح لي بالباطلِ بل بحقِّها، والزكاة هي من الحق الذي أوجبه الله عليهم، فأنا أقاتلُهم على هذا الحق. ثمَّ بيَّن بأنهم لو تركوا من الحقّ شيئًا قليلًا لقاتلَهم عنه، فقال: والله لو منعوني عَناقًا كانوا يؤدونها إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتُهم على منعها.

وكلا الحديثين حقٌّ، فإن الكافر المحارب إذا نطقَ بالشهادتين حَرُمَ


(١) أخرجه البخاري (١٣٩٩، ١٤٠٠) ومسلم (٢٠) عن أبي هريرة.
(٢) البخاري (٢٥) ومسلم (٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>