حينئذٍ قتالُه، ثم بعد ذلك إن أقامَ الصلاةَ وآتَى الزكاةَ وإلّا قُوتِلَ عليها، كما بيَّنه في الحديث الآخر. ثم بعد ذلك إن تركوا شيئًا من حقّها مثلَ أن يَستحلُّوا الربا أو يمتنعوا من تركِه أو نحو ذلك، كانوا قد حاربوا الله ورسولَه، وقُوتلوا أيضًا على ذلك. وإنما هي مراتب، فالكلمتان رأسُ الإسلام من الكلام، والصلاة والزكاة هما رأسُ العمل، فتارةً يُذكَر الأصل الذي هو الاعتقاد والكلام، وتارةً يُقْرَن به الأصل الآخر من العمل والاقتصاد، ثم يدرج سائر الدين الذي أمر الله تعالى بالقتال عليه في قوله "إلّا بحقّها"، كما قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفال/ ٣٩]. فقوله:"عصموا مني دماءَهم وأموالهم إلّا بحقّها" كقولِه تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}[الإسراء/ ٣٣]، وقوله:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}[البقرة/ ١٨٨].
ونظائرُ هذه المقامات للصدّيق كثيرة، يُفقِّهُهم فيما خفي عليهم أو ذَهِلوا عنه من معاني الكتاب والسنة، كتلاوة قوله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}[آل عمران/ ١٤٤] حين قُبِض النبي صلى الله عليه وسلم، وفي روايته لهم أحاديثَ لم يعرفوها، كحديث دفن النبي صلى الله عليه وسلم (١) وغيره، وكجوابه لهم فيما يُشكل عليهم من معاني القرآن والحديث، وبيان أن ظاهره حق، وأن من ظنّ أن ظاهره ليس بحقّ فهو المخطئ في ذلك، وأنه لم يُوجَد له فتوى ولا أمرٌ ولا كلام يخالف شيئًا من النصوص كما
(١) أخرجه الترمذي (١٠١٨) وأبو يعلى (٤٥) من حديث عائشة، وقال الترمذي: هذا حديث غريب. وله طرق وشواهد يرتقي بها إلى الصحة، منها ما أخرجه ابن ماجه (١٦٢٨) وأبو يعلى (٢٢) من حديث ابن عباس عن أبي بكر.