وينبغي كذلك في الحوار ألا يتأثر صاحب الحق بهجوم صاحب الباطل عليه ومقاطعته، وإنما يكمل كلامه بالحق كما فعل موسى عليه السلام لما ناظر فرعون، موسى عليه السلام لما ناظر فرعون أراد فرعون أن يقطع عليه الحديث، قال فرعون: وما رب العالمين؟ {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}[الشعراء:٢٤] فخاف الطاغية أن تتسرب الكلمة إلى قلوب السامعين، فعارض موسى وحول الحوار إلى السامعين وقال:{قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ}[الشعراء:٢٥] فلم يلبث موسى إلى أن أعطاه الصفة الثانية من صفات رب العالمين: {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ}[الشعراء:٢٦] طبعاً هذا كلام يمس العقيدة التي عليها فرعون مساً مزعجاً له جداً؛ لأن فرعون يقول: أنا ربكم الأعلى، وهذا يقول:{رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ}[الشعراء:٢٦] فما ملك فرعون إلا أن يقول كلاماً سخيفاً، قال:{إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}[الشعراء:٢٧]، وهذا استهزاء وتهكم، لكن لم يفت ذلك في عضد موسى فتابع الكلام:{قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}[الشعراء:٢٨] فالآن لاحظ أن موسى يتكلم وفرعون يحاول أن يغير مجرى الحديث إلى الناس، يتكلم فيشغب على موسى، فمرة يقول: أنت مجنون، وأن يقول:{قَالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}[الشعراء:٣٤ - ٣٥] هذا الموقف الضعيف من فرعون كان له أثر ولا شك، وعندما صارت المعركة أسقط في أيدي السحرة بسبب التأييد الذي أيده الله سبحانه وتعالى به.