للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هدايا الوالدين]

والهدايا للوالدين لا شك أنها من أعظم الهدايا؛ لأن بر الوالدين واجب، ويتقرب الإنسان إلى الله بالهدية للوالدين أكثر من غيرهما، أما هدية الوالدين للأبناء فإنها تتعلق بها أحكام، فلا يجوز للأبوين أن يفضلا أحد الأولاد أو بعض الأولاد على بعض دون مسوغ شرعي، كأن يكون أعطاه هبةً لفقره أو لأنه تزوج، أو لأنه مريض يحتاج إلى علاج، أو لأنه نجح في الدراسة ولم ينجح بقية إخوانه، أو لأنه حفظ سورة لم يحفظها بقية إخوانه، فإذا كانت لسبب شرعي فلا بأس بذلك، ولو لم يعط بقية الإخوة، لكن ينبغي عليه أن ينوي في نفسه أنه لو مر أحدٌ من الأولاد الآخرين بالظرف نفسه الذي مر به هذا الولد الذي أعطاه أن يُعطيهم مثلما أعطاه، أي: لو أن أحد أولاده -مثلاً- تزوج فأعطاه عشرة آلاف ريال، فيجب على الأب من العدل أن ينوي في قلبه أنه لو تزوج الولد الثاني أن يُعطيه مثلما أعطى الولد الأول، إذا كان في ذلك الوقت مستطيعاً.

ولا يجوز له أن يميز أحد الأولاد على بعض، كأن يُعطي هدية أو عطية أو هبة لولدٍ دون آخر دون سببٍ شرعي، فالراجح أنه حرام لا يجوز، ويكاد يكون هذا هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله خلافاً لجمهور العلماء، وقد نصر ذلك ابن القيم نصراً مؤزراً في تهذيب السنن في شرحه على أبي داود وذكر أدلة الفريقين ورجح المذهب القائل بعدم جواز أن يميز الأب ولداً من أولاده بعطية أو هدية أو هبة دون مسوغٍ شرعي، وحديث: (اذهب فأشهد على هذا غيري، فإني لا أشهد على جور) ونحو ذلك من ألفاظ الحديث كلها تدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام رفض أن يشهد على عطية النعمان وتمييزه عن بقية إخوانه.

ولذلك التمييز بينهم حرامٌ، ولا شك أنه من الأسباب التي تولد الضغائن بين الأولاد، أن يميز الأب واحداً منهم بشيء، والله سبحانه وتعالى قال: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} [النساء:١١].

وبقي في موضوع الهدية بقية، وخصوصاً الكلام على الفرق بين الهدية والرشوة؛ لأنها مهمة في خِضم الحياة التي نعيشها.

فأقول أيضاً أيها الإخوة: إن الهدية العلمية الشرعية والنصيحة من أعظم ما يُهدى للإنسان المسلم.

ويدل على ذلك ما جاء في الصحيح عن عبد الله بن عيسى أنه سمع عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: (ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: بلى فأهدها لي، فقال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليكم؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد) فإذا أهديت لإنسان معلومة دينية شرعية فلا شك أن هذه من أعظم ما يُهدى.

ومن الأمور والأحكام المتعلقة بالهدية ذكرنا هدية المحبة والمودة، وهدية الوالدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>