هل تغطية الفم وكظم التثاؤب خاصٌ بالصلاة أو هو عامٌ يشمل الصلاة وغير الصلاة؟
الجواب
أما رواية الصحيحين فأكثرها عامة، ليس فيها تقييد بالصلاة، وورد في بعض الروايات تقييده بحال الصلاة، فهناك احتمال أن يحمل المطلق على المقيد، ونقول: الكظم والتغطية والمجاهدة والحبس هو في الصلاة، أو أن نقول: إنه عامٌ، ولكنه في الصلاة يكون أوكد، ولعل هذا هو الأقوى والله أعلم، فإن الشيطان في الصلاة له غرضٌ قوي في التشويش على المصلي، وهناك قاعدة أصولية يذكرها بعض أهل العلم، وهي: أن المطلق إنما يحمل على المقيد في الأمر لا في النهي، وموضوعنا الآن في حديث التثاؤب أمر، وبناءً على ذلك قاعدة حمل المطلق على المقيد لا تنطبق، لأنه هنا قال:(إذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع؛ فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان) وقال هنا: (فليرده منكم ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال: ها، ضحك منه الشيطان) فاللام هنا لا شك أنها لام الأمر، فقال بعضهم: إن المطلق إنما يحمل على المقيد في الأمر لا في النهي، وهذا ظاهره أنه يقيد هاهنا، لكن ابن حجر رحمه الله ذكر في الفتح أن هناك ما يؤيد كراهته مطلقاً وهو كونه من الشيطان، أي: إذا كان التثاؤب من الشيطان هل هناك فرقٌ بين الصلاة وخارج الصلاة؟ حديث كون التثاؤب من الشيطان هل يعني: أنك تجاهده في الصلاة وخارج الصلاة لا تجاهده؟ ما هو الفرق إذا كان كلاهما من الشيطان؟ لكن في حال الصلاة هو أشد، قال ابن العربي رحمه الله: ينبغي كظم التثاؤب في كل حالة، وإنما خص الصلاة؛ لأنها أولى الأحوال بدفعه، ولا شك أن التثاؤب فيه خروج عن اعتدال الهيئة، وفيه اعوجاجٌ للخلقة، والمتثائب إذا أفرط في التثاؤب ربما شابه الكلب، ويرفع رأسه فيه أيضاً، وبذلك يُعلم أن الشيطان إذا دفع العبد إلى التثاؤب فإنه يصيره في وضعٍ كريه، فإن الإنسان لو قدر له أن يرى حاله أمام المرآة وهو يتثاءب لرأى منظراً كريهاً بشعاً، فالشيطان من كيده أنه يدفع للتثاؤب، وهو هيئة كريهة وبشعة، وهو أيضاً يدخل مع التثاؤب، وظاهر الحديث الدخول الحقيقي.
فإن قال قائل: إنه يجري من ابن آدم مجرى الدم؟ فنقول: إذا كان ذاكراً لله يتمكن منه، لكنه إذا تثاءب في تلك الحالة ولم يرده، تمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقةً، ولا يمنع أن يدخل فيه وهو يسير منه أو يجري منه مجرى الدم.
والقضايا الغيبية، لا تحكم فيها بالعقول، ونقول: هذا داخل فكيف يدخل؟ وهذا خارج هذه قضايا مردها إلى الله تبارك وتعالى، فهو يعلم كيفية ذلك.