أما الزيارة: فأعلى من يزار هم أهل العلم بلا شك، للانتفاع بالزيارة، وهاكم مثالاً على ذلك: جاء في صحيح مسلم: عن أبي وائل قال: -وهذا مثال على زيارة أناس لعالم- قال:[غدونا إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يوماً بعدما صلينا الغداة -الصبح- فسلمنا في الباب! فأذن لنا، فمكثنا بالباب هنيةً -كأنهم يريدون التأكد من الأذن- قال: فخرجت الجارية فقالت: ألا تدخلون؟ فدخلنا فإذا هو جالسٌ يُسبح - ابن مسعود - فقال: ما منعكم أن تدخلوا وقد أُذن لكم، فقلنا: لا.
إلا أننا ظننا أن بعض أهل البيت نائم قال: ظننتم بآل أم عبد غفلة؟] آل أم عبد هو ابن مسعود، ابن أم عبد: ابن مسعود، وآله: هم أهله، زوجته وبناته، قال: تظنوننا غافلين؟ يجتهدون بالعبادة بعد الفجر، ليسوا غافلين نائمين، آل أم عبد لا ينامون بعد الفجر، يجلسون يسبحون ويذكرون الله.
قال:[ثم أقبل يسبح -أي: أنه لم يقطع العبادة لأجل الزيارة، كان في عبادة حتى أكمل العبادة- حتى ظن أن الشمس قد طلعت، قال: يا جارية! انظري هل طلعت؟ فنظرت فإذا هي قد طلعت، فقال: الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا، قال مهدي بن ميمون: أحسبه قال: ولم يهلكنا بذنوبنا، فقال رجلٌ من القوم: قرأت البارحة المفصل كله، فقال عبد الله: هذاً كهذ الشعر؟.
] إلى آخر الأثر.
وهذا الأثر فيه فوائد منها: ١/ التلبث عن الدخول بعد الإذن لاحتمال عذرٍ للتأكد، وكذلك نفي التهمة والنقص عن الإنسان وأهله، قال: تظنون أهلي غافلين؟ ليسوا غافلين.
٢/ كراهية النوم بعد الفجر، وأن هذا وقت ذكر لله.
٣/ أن من استأذن عليه وهو في عمل طاعة يمكنه تركها فلا يتركها؛ لئلا يكون ذلك وسيلة في ترك الطاعات، ويتخذه الشيطان سبباً يصد به عنه، أما إن جاءه خاطر الرياء والإعجاب تعوذ بالله من الشيطان وحاسب نفسه، وإذا لم يمكنه التغلب على جانب الخوف والإعجاب، ترك العمل واشتغل بمن قدم عليه.
٤/ فيه زيارة العلماء، وانظر كيف انتفعوا بزيارة ابن مسعود؛ في تعلم أشياء من آداب الاستئذان.
٥/ وفيه تعلم حمل الأهل على الطاعة والعبادة.
٦/ وفيه التعلم على الاستمرارية على العبادة.
٧/ وفيه تعلم فوائد مثل: مسألة الإسراع في تلاوة القرآن والحدر فيه، وما حكم إنهاء القرآن في يومٍ واحد، وهكذا